فالبين الأول الوصل، والثاني القطيعة والهجر، والعين الأولى هذا الناظر، والثانية الرقيب أي : رأت فيه ما أحبت.
من ذلك قراءة الزهري :"وَلَقَدْ صَدَقَ" - مخففة - "عَلَيْهِمْ إِبْلِيسَ" - نصب - "ظَنُّهُ" - رفع "إِلَّا لِيُعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ"١.
وقال أبو حاتم : روى عبيد٢ بن عقيل عن أبي الورقاء، قال : سمعت أبي الهجهاج وكان فصيحا - يقرأ :"إبْلِيسَ" - بالنصب - "ظَنُّهُ"، رفع.
قال أبو الفتح : معنى هذه القراءة أن إبليس كان سَوَّلَ له ظنُّه شيئا فيهم، فصَدَقه ظنُّه فيما كان عقد عليهم معهم من ذلك الشيء.
وأما قراءة العامة :﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ﴾ - رفع - ﴿ظَنَّهُ﴾ - نصب - فإنه كان قدر فيهم شيئا فبلغه منهم، فصدق ما كان أودعه طنه في معناه. فالمعنيان من بعد متراجعان إلى موضع واحد؛ لأنه قدر تقديرا فوقع ما كان من تقديره فيهم. و"عَلَى" متعلقة بـ"صَدَقَ"، كقولك : صَدَقْتُ عليْكَ فِيمَا ظَنَنْتُه بك، ولا تكون متعلقة بالظن، لاستحالة جواز تقدم شيء من الصلة على الموصول.
وذهب الفراء إلى أنه على معنى في ظنه، وهذا تَمَحُّل للإعراب، وتَحَرُّفٌ عن المعنى. ألا ترى أن من رفع "ظنه" فإنما جعله فاعلا؟ فكذلك إذا نصبه جعله مفعولا على ما مضى. كذلك أيضا من شدد، فقال :"صدّق"، فنصب "الظن" على أنه مفعول به.
ومن ذلك قراءة الحسن :"فُزِعَ"٤، بالزاي خفيفة، وبالعين.
وقرأ :"فَرَّغَ"، بفتح الفاء والراء، وبالغين الحسن - بخلاف - وقتادة وأبو المتوكل.
٢ هو عبيد بن عقيل بن صبيح أبو عمرو الهلالي والبصري، راوٍ ضابط صدوق. روى القراءة عن أبان بن يزيد العطار وأبي عمرو بن العلاء وهارون الأعور وغيرهم، وروى القراءة عنه خلف بن هشام وغيره. مات سنة ٢٠٧. طبقات القراء لابن الجزري : ١ : ٤٩٦.
٣ قرأ عاصم وحمزة الكسائي وخلف "صدّق" بتشديد الدال، وقرأها الباقون بتخفيفها، كما في إتحاف الفضلاء : ٢٢١
٤ سورة سبأ : ٢٣.