الكثرة؛ لأنه في معنى يتدارسونها. وقد ذكرنا فيما مضى قوله تعالى :﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾١ وأن "اكْتَسَبَتْ" أقوى من "كَسَبَتْ" وأن أصل ذلك من زيادة معنى فَعَّلَ على معنى فَعَلَ، لتضعيف العين، فاعرفه. ومثل "يَدَّرِسُونَهَا" قولهم : قرأتُ القرآنَ، وَاقْتَرَأْنُهُ قال :
نهارُهُم صِيامٌ٢ وليلُهُم صَلاةٌ وَافْتِرَاءُ
ومن ذلك قراءة طلحة بن مصرف :"وَأَخِذٌ مِنْ مَكَانٍ قَرِيب"٣، منصوبة الألف، منونة.
قال أبو الفتح : لك في رفعه ضربان :
إن شئت رفعته بفعل مضمر يدل عليه قوله :﴿فَلا فَوْتَ﴾، أي : وأحاط بهم أخذٌ من مكان قريب. وذكر القرب، لأنه أحجى بتحصيلهم، وإحاطته بهم.
وإن شئت رفعته [١٣١ظ] بالابتداء، وخبره محذوف، أي : وهناك أخذ لهم، وإحاطة بهم. ودل على هذا الخبر ما دل على الفعل في القول الأول.
ويُسأل من قراءة العامة :﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ : علام عطف هذا الفعل؟ وينبغي أن يكون معطوفا على قوله تعالى :﴿فَزِعُوا﴾ وهو بالواو، لأنه لا يراد : ولو ترى وقت فزعهم وأخذهم، وإنما المراد - والله أعلم : ولو ترى إذ فزعوا فلم يفوتوا، وأخذوا. فعطف "أُخِذُوا" على ما فيه الفاء المُعَلِّقة الأول بالآخر على وجه التسبيب له عنه، وإذا كان معطوفا على ما فيه الفاء فكأن فاءً٤ فيئول الحديث إلى أنه كأنه قال : ولو ترى إذ فزعوا فأخذوا، هذا إذا كانت فيه فاء، وأما وفيه الواو فلا يحسن عطفه على "فزعوا" بل يكون معطوفا على ما فيه
٢ هنا بياض في النسختين. وقد كتب في هامش الصفحة بنسخة ك كلمة "وافتقار لإكمال البيت، ولكن بقلم ومداد مخالفين وتبدو الكلمة غريبة في البيت".
٣ سورة سبأ : ٥١.
٤ يريد فكأن فاء فيه.