ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي رياح١ وأبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وعلي بن حسين :"وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا"٢، بنصب الراء.
قال أبو الفتح : ظاهر هذا الموضع ظاهر العموم، ومعناه معنى الخصوص؛ وذلك أن "لا" هذه النافية الناصبة للنكرة لا تدخل إلا نفيا عاما؛ وذلك أنها جواب سؤال عام، فقولك : لا رجل عندك. جواب هل من رجل عندك؟ فكما أن قولك : هل من رجل عندك، سؤال عام، أي : هل عندك قليل أو كثير من الجنس الذي يقال لواحده رجل؟ فكذلك ظاهر قوله :"لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا" نفي أن تستقر أبدا، ونحن نعلم أن السموات إذا زُلْنَ بطل سير الشمس أصلا، فاستقرت مما كانت عليه من السير. ونعوذ بالله أن نقول : إن حركتها دائمة كما يذهب مُحَبَّنُو٣ الملحدة، فهذا إذًا - في لفظ العموم بمعنى الخصوص - بمنزلة قوله :
أَبْكِي لفَقْدِكَ ما ناحَتْ مُطوَّقةً وما سما فَنَنٌ يومًا عَلَى ساقِ٤
ونحن نعلم أن أقصى الأعمار الآن إنما هو مائة سنة ونحوُها، أي : لو عشت أبدا بكيتك. فكذلك "لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا" ما دامت السموات على ما هي عليه. [١٣٥ظ] وقد تقدم ذكرنا باب المجاز في كتابنا الخصائص٥، وأنه أضعاف الحقيقة قولا واحدا.
ومن ذلك قراءة قتادة :"وَنُفِخَ فِي الصُّوَر"٦.
قال أبو الفتح : قد سبق القول على ذلك فيما مضى بشواهده٧.

١ كذا بالأصل والبحر. وسقطت "أبي" في البحر. وكتب بهامش الأصل "يسار". دون إشارة إلى إنها استدراك لكلمة "رباح"، ولكل من عطاء بن أبي رباح وعطاء بن يسار ترجمة في طبقات القراء : ٢ : ٥١٣.
٢ سورة يس : ٣٨.
٣ محبنو الملحدة : المدخولو الطبيعة منهم. وأصل الحبن داء في البطن يعظم منه ويرم، أو تخرج منه حبون، أي : دماميل مقيحة، الواحد حبن، بكسر فسكون.
٤ لأم عمرو، أخت ربيعة بن مكدم، ترثي أخاها ربيعة، وقد قتلته بنو سليم. ويروى "فسوف أبكيك" مكان "أبكي لفقدك"، "وما سريت مع الساري" مكان "وما سما فنن يوما" والبيت من ثمانية أبيات رواها القالي في ذيل الأمالي : ١٣.
٥ تكلم عن المجاز في بابين من الخصائص : الأول باب في فرق بين الحقيقة والمجاز : ٢ : ٤٤٢ - ٤٤٧، والآخر باب في أن المجاز إذا كثر لحق بالحقيقة : ٢ : ٤٤٧ - ٤٥٧.
٦ سورة يس : ٥١.
٧ انظر الصفحة ٥٩ من الجزء الثاني.


الصفحة التالية
Icon