فإن شئت كان التقدير فيها ذو رُكُوبهم، وذو الرُّكوب هنا هو المركوب، فيرجع المعنى بعد إلى معنى قراءة من قرأ :"رَكُوبهم" بفتح الراء، و"رَكُوبَتُهُمْ".
وإن شئت كان التقدير فمن منافعها أو من أغراضها رُكوبهم، كما تقول لصاحبك : من منافعك إعطاؤك لي، ومن بركاتك وصول الخير إليّ على يدك. ومثله في تقدير حذف المضاف من جهتين أيَّ الجهتين شئت قول الله "سبحانه" :﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾١
، إن شئت كان على تقدير : ولكنّ البِرَّ بِرُّ من اتقى، وإن شئت كان تقديره : ولكنّ ذا البِرِّمن اتقى.
والتقدير الأول في هذا أجود عندنا؛ وذلك أن تقديره حذف المضاف من الخبر، أعني : برُّ من اتقى، والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ وذلك أن حذف المضاف ضرب من التوسع. والتوسعُ آخرُ الكلام أولى به من أوله، كما أن الحذف والبدل كلما تأخر٢ كان أمثل؛ من حيث كانت الصدور أولى بالحقائق من الأعجاز وهذا واضح، ولذلك اعتمده عندنا صاحب الكتاب فحمله على أن التقدير : ولكنّ البِرَّ بِرُّ من اتقى٣.
وأجاز أبو العباس أن يكون الحذف من الأول على ما مضى، وهو لعمري جائز، إلا أن الوجه ما قدمنا ذكره، لكن الحذفين في قوله :"فَمِنْهَا رَكُوبُهُم" - على ما قدمنا - متساويان، وذلك إن قدرته على أنه : فمن منافعها رُكُوبُهُمْ فإنما حذفت من الخبر؛ لأن تقديره : فَرُكُوبُهُمْ منها، فهو - وإن كان مقدما في اللفظ - مؤخر في المعنى. وإن قدرته على معنى : فمنها ذو رُكُوبُهُمْ، فَحَسَنٌ أيضا، وإن كان مقدما في المعنى فإنه مؤخر في اللفظ، فاعرف ذلك.
وأما "رَكُوبَتُهُمْ" فهي المركوبة : كالقَتُوبَة٤"، والجَزُوزَة، والحَلُوبَة، أي : ما يُقْتَبُ، ويُجَزُّ، ويُحْلَبُ. وقد أشبعنا هذا الموضع في كتابنا المعروف بالخطيب، وهو شرح كتاب المذكر والمؤنث ليعقوب بن السكيت.
ومن ذلك قراءة طلحة وإبراهيم التيمي الأعمش :"مَلَكَةُ كُلِّ شَيْءٍ"٥.

١ سورة البقرة : ١٧٧.
٢ كذا بالأصلين، والأظهر : تأخرا.
٣ الكتاب : ١ : ١٠٨.
٤ القتوبة : الإبل تشد عليها الأقتاب، والأقتاب : جمع قتب، وهو الأكاف، أو الصغير على قدر سنام البعير.
٥ سورة يس : ٨٣.


الصفحة التالية
Icon