ومن ذلك قراءة ابن مسعود :"فَإِذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِم"١.
قال أبو الفتح : لفظ هذا الموضع على الاستفهام٢، ومعناه الوضوح والاختصاص؛ وذلك أن الغرض فيه إنما هو : فإذا نزل العذاب بساحتهم، يدل عليه قوله قبله معه :﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾؟ فإذا قال :﴿فَإِذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِم﴾ فلا محالة أن معناه : فإذا نزل عذابنا بساحتهم، فأبهم الفاعل واعتمد ذكر المكان المنزول فيه.
ومثله في المعنى قول الله "سبحانه" :﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾٣، ونحن نعلم أن الله "تعالى" خالقه. وكذلك ﴿خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَل﴾٤، ألا ترى إلى قوله :﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾٥، وقوله "عز اسمه" :﴿خَلَقَ الْأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَان﴾٦، وقول :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾٧، ونظائره كثيرة :
فكذلك قوله "تعالى" :﴿فَإِذَا نُزِلَ بِسَاحَتِهِم﴾ على ما شرحناه من حاله، وهذا أحد ما يدلك على أن إسناد الفعل إلى المفعول نحو : ضرب زيد، لم يكن لجهل المتكلم بالفاعل من هو؟ البتة، لكن قد يسند إلى المفعول، ويطرح ذكر الفاعل لأن الغرض إنما هو الإعلام بوقوع الضرب بزيد، ولا غرض معه في إبانة الفاعل من هو؟ فاعرفه.
٢ المراد بالاستفهام هنا التطلع والتساؤل عن الفاعل، لبناء الفعل للمفعول.
٣ سورة النساء : ٢٨.
٤ سورة الأنبياء : ٣٧
٥ سورة العلق : ١، ٢.
٦ سورة الرحمن : ٣، ٤.
٧ سورة ق : ١٦.