قال أبو الفتح : هذا على الحكاية، حتى كأنه قال : إن يوحى، أي : إن يقال لي : إلا أنت نذير مبين.
فإن قيل : فإذا كان حكاية فقد كان يجب أن يرد اللفظ عينه، وهو لم يقل له : أنا نذير مبين، فهلا أعاده البتة، فقال : إن يوحي إلا أنت نذير مبين؟
قيل : هذا أراد، إلا أنه إذا قال : إلا إنما أنا نذير مبين فكأنه قد قال : أنت نذير مبين، ألا تراك تقول لصاحبك : أنت قلت : إنك شجاع، فزدت الحرف، وهو لم يقل : إنك شجاع، وإنما قال : أنا شجاع. فلما أردت١ قوله حاكيا له أوقت موقع "أنا" إنك.
وعله تحريف هذا الحرف الواحد من الجملة المحكية أنك مخاطب له، فغلب لفظ الخطاب الحاضر اللفظ - المنقضي لقوة الحاضر على الغائب. هذا أيضا مع ارتفاع الشبهة والإشكال في أن الغرض بهما جميعا شيء واحد. ونحو من هذا في بعض الانحراف عن المحكي لدلالة عليه قول الشاعر :
تنادوا بالرحيل غدا وفي ترحالهم نفسي
أجاز لي فيه أبو علي بحلب سنة سبع وأربعين ثلاثة أضرب من الإعراب : بالرحيل، والرحيل، والرحيل : رفعا، ونصبا، وجرا.
فمن رفع أو نصب فقدر في الحكاية اللفظ المقول البتة فكأنه قالوا : الرحيل غدا، والرحيل غدا.
فأما الجر فعلى إعمال الباء فيه، وهي معنى ما قالوه، لكن حكيت منه قولك : غدا وحده، وهو خبر المبتدأ وفي موضع رفع، لأنه خبر المبتدأ.
ولا يكون ظرفا لقوله : تنادوا؛ لأن الفعل الماضي لا يعمل في الزمان الآتي. وإذا قال : تنادوا بالرحيل غدا، فنصب الرحيل فإن "غدا" يجوز أن يكون ظرفا لنفس الرحيل، فكأنهم قالوا : أجمعنا الرحيل غدا، ويجوز أن يكون ظرفا لفعل نصب الرحيل آخر، أي : نحدث الرحيل غدا. فأما أن يكون ظرفا لتنادوا فمحال، لما قدمنا.