ومن ذلك قراءة ابن عباس والضحاك وأبي صالح والكلبي :"يَوْمَ التَّنَاد١"، بتشديد الدال.
قال أبو الفتح : هو تفاعل، مصدر تناد القوم، أي : تفرقوا، من قولهم : ند يند، كنفر ينفر. وتنادوا كتنافروا، والتناد كالتنافر، وأصله التنادد، فأسكنت الدال الأولى وأدغمت في الثانية استثقالا لاجتماع المثلين متحركين.
فإن قيل : فهلا أظهر نحو ذلك، وهو ملحق بالتفاعل من غير التضعيف نحو التنافر، والتضافر، والتحاسر، والتحاسد.
قيل : هذا من أقبح الخطأ، وذلك أن الغرض في الإلحاق إنما هو رفع دوات الثلاثة إلى ذوات الأربعة، نحو جلبب، وشملل٢، فهما ملحقان بدحرج وهملج٣، أو بذوات الخمسة نحو كوالل٤، في إلحاقه بسفرجل، مجتازا في طريقه بقفعدد٥ وسبهلل٦، أو رفع بنات الأربعة إلى بنات الخمسة، نحو شنخف٧، وهلقس٨ في إلحاقهما بجردحل٩. فأما أن تلحق بنات الثلاثة ببنات الثلاثة فلغوا [١٤٢ظ] من القول، فلم يكن في إلا فساد معنى قولهم : ملحق؛ لأن الأصل لا يلحق بنفسهن فكذلك أيضا "التناد" ثلاثي، كما أن التنافر ثلاثي، أفيلحق الشيء بنفسه؟
ألا ترى أن ند ثلاثي، كما أن نفر كذلك؟ وهذا واضح.
ولو جاز هذا للزمك عليه أن تقول في شد وحل : شدد وحلل، فتظهرهما، وتقول : هما ملحقان بدخل وخرج.
فإن قلت : فقد قالوا في فيعل - نحو خيفق١٠ وصيرف - وفوعل من رددت : ريدد ورودد، وإن كنا قد أحطنا علما بأن كل واحد من خيفق وصيرف ثلاثي الأصل.

١ سورة غافر : ٣٢.
٢ شملل : أسرع.
٣ هملج : ذلل.
٤ الكوألل : القصير.
٥ القفعدد : القصير.
٦ سبهلل، يقال : جاء سبهللا، أي : لا شيء معه ولا سلاح عليه، أو مختالا غير مكترث.
٧ الشنخف : الرجل الضخم.
٨ الهلقس : الشديد من الجوع وغيره.
٩ الجردحل : الوادي، الضخم من الإبل، للذكر والأنثى.
١٠ الخيفق : الفلاة الواسعة.


الصفحة التالية
Icon