ففصل بين قوله :"رسولا"، وبين صفته التي هي "جريا" بقوله : إلى أخرى، وهو معمول أرسلت، على هذا حمله أبو علي وإن كان يجوز أن يكون صفة لـ"رسول" متعلقة بمحذوف، وأن يكون أيضا متعلقا بنفس "رسول".
وقد يجوز في "أنَّ١" أن تكون مرفوعة بفعل مضمر، حتى كأنه قال : ووجب، أو وحق أن الظالمين لهم عذاب أليم. يؤنسك بانقطاعه عن الأول إلى هنا قراءة الجماعة بالكسر و "إن" بالكسر فهذا استئناف - كما ترى - لا محالة.
ومن ذلك قراءة مجاهد وحميد :"ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ٢"، بضم الياء، وسكون الباء، وكسر الشين.
قال أبو الفتح : وجه هذه القراءة أقوى في القياس، وذلك أنه يقال : بشر زيد بكذا، ثم نقل بهمزة النقل، فقيل : أبشره الله بكذا، فهذا كمر زيد بفلان، وأمره الله به. ورغب فيه، وأرغب الله فيه.
نعم، وأفعلت ههنا كفعلت فيه، وهو أبشرته وبشرتهه، وكلاهما منقول للتعدي : أحدهما بهمزة أفعل، والآخر بتضعيف [١٤٤ظ] العين. فهذا كفرح وأفرحته وفرحته، وهو بشر وأبشرته وبشرته. وأما بشرته - بالتخفيف - فعلى معاقبة فعل لأفعل في معنى واحد، نحو جد في الأمر وأجد، وصد عن كذا وأصد.
قال أبو عمرو : وإنما قرأت هذا الحرف وحده "يبشر" لأنه ليس معه "به٣"، وهذا صحيح حسن.

١ أي من قوله تعالى ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ و "بالكسر" الأولى مقحمة في العبارة كما لا يخفى.
٢ سورة عسق : ٢٣.
٣ وردت الباء بعد "بشر" المشدد في آيات شتى منها قالوا :﴿بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ في سورة الحجر : ٥٥، و﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلام عَلِيم﴾ في سورة الصافات : ١٠١.


الصفحة التالية
Icon