ذكرناه، ولما استطلناه فتركناه - ضعف "بَلْدَةً مَيْتًا
" بالتثقيل، كما ضعفت امرأة مائت وبائع.
وليس الموت أيضا مما يختص بالتأنيث فيحمل على تذكير طالق وطامث١ وبابه وهو٢ إذا خفف فقيل ميت أشبه لفظ المصدر، نحو البيع، والضرب، والموت، والقتل وتذكير المصدر إذا جرى وصفا على المؤنث ليس بمستنكر، نحو امرأة عدل، وصوم، ورضا، وخصم. فهذا فرق - كما ترى - لطيف.
ومن ذلك قراءة الزهري :"أَشَهِدُوا٣"، بغير استفهام.
قال أبو الفتح : أما حذف همزة الاستفهام تخفيفا، كأنه قال : أشهدوا خلقهم؟ كقراءة الجماعة - فضعيف؛ لأن الحذف في هذا الحرف أمر موضعه الشعر، ولكن طريقه غير هذا. وهو أن يكون قوله :﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾ صفة لـ"إناث" حتى كأنه قال : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد لرحمن إناثا مشهدا خلقهم هم.
فإن قلت : فإن المشركين لم يدعوا أنهم أشهدوا خلق ذلك، ولا حضروه.
قيل : اجتراؤهم على ذلك، ومجاهرتهم به، واعتقادهم إياه، وانطواؤهم عليه - فعل من شاهده، وعاين معتقد ما يدعيه فيه، لا من هو شاك ومرجم ومتظن، وإن لم يكن معاندا ومتخرصا لما لا يعتقده أصلا. فلما بلغوا هذه الغاية صاروا كالمدعين أنهم قد شهدوا ما تشهروا٤ به وأعصموا٥ باعتقاده.
وهذا كقولك لمن يزكي نفسه، وينفي الخبائث عنها، أو شيئا من الرذائل أن تتم٦ عليها : وأنت إذا تقول : إنك معصوم، وهو لم يلفظ بادعائه العصمة، لكنه لما ذهب بنفسه ذلك المذهب صار بمنزلة من قال : أنا معصوم.
٢ في ك : فهو.
٣ سورة الزخر : ١٩.
٤ لم نعثر على هذا الفعل فيما بين أيدينا من المعاجم.
٥ أعصموا : تمسكوا.
٦ تتم عليها : تمضي، وتستمر.