أي : إنك قتلت مسلما، وهذا موضح في بابه.
فلو كانت "كل" هنا رفعا لم يكن بد معها من اللام الفاصلة بين المخففة والنافية، ولالام معك؛ لأن هذه الموجودة في اللفظ إنما هي الجارة المكسورة، ولو جاءت معها لوجب أن تقول : وإن كل ذلك للمامتاع الحياة الدنيا، كقولك : إن زيد لمن الكرام.
فإن قلت : إنه قد يجوزم أن يكون أراد اللام الفاصلة، لكنها جفت مع اللام الجارة، فحذفت وصارت هذه الجارة في اللفظ كالعوض منها.
قيل : فقد قال :
فلا والله لا يلفي لما بي ولا للما بهم أبدا دواء١
فجمع بين اللامين، وكلتاهما جارة. فجاز الجمع بين الجارتين، وهما بلفظ واحد، وعمل واحد - فجمع المفتوحة مع المكسورة العاملة أحرى بالجوز.
وبعد، فالحق أحق أن يتبع. هذا بيت لم يعرفه أصحابنا ولا رووه، والقياس من بعد على نهاية المج له والإعراض عنه، لاسيما وقد جاور بحرف الجر حرفا مثله لفظا ومعنى، فلو وجد هذا البيت عنوانا على كل ورقة من مصحف أبي عمرو لما جاز استعمال مثله في الشعر إلا كلا ولا٢، فضلا عن الأخذ به في كتاب الله.
فإذا كان كذلك بطل رفع "كل" لما ذكرناه، وجب أن يكون نصبا على لغة من نصب مع التخفيف، فقال : إن زيدا قائم؛ لأنه إذا نصب زال لاشك في أنها ليست بالنافية؛ لأن تلك غير ناصبة للمبتدأ. وترك ابن مجاهد ذكر الإعراب في "كل" يدعو إلى أن يكون رفعا؛ إذ لو كان نصبا لذكره لما فيه من الشذوذ الذي عليه وضع الكتاب، ففيه إذا ما تراه، فتعجب منه.

١ لمسلم بن معبد الوالبي من شعراء الدولة الأموية، والوالبي نسبة إلى والبة بن الحارث ابن ثعلبة بن داودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة. ويروى "وابيك" مكان "والله"، وانظر الخزانة : ٦ : ٢٦٤.
٢ كلا ولا، أي : إلا قليلا. والعرب إذا أرادت تقليل مدة فعل أو ظهور شيء خفي قالت : كان فعله كلا. وربما كررت فقالت : كلا ولا. وانظر اللسان "لا".


الصفحة التالية
Icon