وكذلك مذهب ابن عباس في قوله :"فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِين"، أي : الأنفين.
ووجه ثالث مقول أيضا، وهو أن تكون "إن" بمعنى ما، أي : ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين له؛ لأنه لا ولد له. قال الفرزدق :
وأعبد أن تهجى كليب بدارم١
أي : آنف من ذلك.
وروينا عن قطرب أن العابد العالم، والعابد الجاحد، والعابد الأنف الغضبان، قال : ومعنى هذه الآية يحتمل كل هذه المعاني، وفيه ما ذكرته أنا لك.
ومن ذلك قراءة الأعرج ورويت عن أبي قلابة وعن مجاهد أيضا :"وقيله٢"، رفعا.
قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون ارتفاعه عطفا٣ على "علم" من قوله :﴿وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة﴾، و"قيله"، أي : وعلم قيله، فجاء على حذف المضاف، كما أن من جره "وقيله" فهو معطوف عنده على "الساعة". فالمعنيان - كما تراه - واحد، والإعرابان مختلفان.
فمن نصب فقال :"وقيله" كان معطوفا على "الساعة" في المعنى، إذ كانت مفعولا بها في المعنى، أي : عنده أن يعلم الساعة وقيله. وهذا كقولك : عجبت من أكل الخبز والتمر، أي : من أن أكلب هذا وهذا. وروينا عن أبي حاتم، قال :"وقيله" نصب معطوف على "نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ٤"، و"قيله". قال : قال ذلك جماعة، منهم يعقوب القارئ. وبعد، فليعم أن المصدر الذي هو "قيل" مضاف إلى الهاء، وهي مفعولة في المعنى لا فاعله؛ وذلك أن وعنده عطفا

١ رواية اللسان "عبد" :
أولئك قوم أن هجوني هجوتهم وأعبد أن أهجو كليبا بدارم
ورواية البحر "٧ : ٢٨"
أولئك آبائي فجئني بمثلهم وأعبد أن أهجو كليبا بدارم
وورد في الديوان : ٧٠٠ هذا البيت :
أظنت كلام اللؤم أن ليست شاتما قبائل إلا بني دخان بدارم
وابنا دخان : غني، وباهلة.
٢ سورة الزخرف : ٨٨.
٣ ساقطة في ك.
٤ من قوله تعالى في الآية ٨٠ :﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon