فإن قلت : فإن الشرط لا بد فيه من الشك، وهذا موضع محذوف عنه الشك البتة. ألا ترى إلى قوله "تعالى" :﴿إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا١﴾، وغير ذلك من الآي القاطعة بإتيانها؟
قيل : لفظ الشك من الله "سبحانه"، ومعناه منا، أي : إن شكوا في مجيئها بغتة فقد جاء أشراطها، أي : أعلامها، فهو توقعوا وتأهبوا لوقوعها مع دواعي العلم بذلك لهم إلى حال وقوعها. فنظيره مما اللفظ فيه من الله "تعالى"، ومعناه منا - قوله "تعالى" :﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ٢﴾، أي : يزيدون عندكم أنتم؛ لأنكم لو رأيتنم جمعهم [١٤٨ظ] لقلتم أنتم : هؤلاء مائة ألف، أو يزيدون. وقد مضى هذا مشروحا فيما قبل.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو في رواية هارون٣ بن حاتم عن حسين٤ عنه :"بَغْتَة٥".
قال أبو الفتح : فعله مثال لم يأت في المصادر ولا في الصفات أيضا، وإنما هو مختص بالاسم، منه الشربة : اسم موضع. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى : يقول عبد الله بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان في خبر له معه :
ارحم أصيبيتي الذين كأنهم حجلى تدرج بالشربة وقع٦

١ سورة غافر : ٥٩.
٢ سورة الصافات : ١٤٧ وانظر الصفحة ٢٢٧ من هذا الجزء.
٣ هو هارون بن حاتم أبو بشر الكحوفي البزاز، مقرئ مشهور، ضعفوه. روى الحروف عن أبي بكر بن عياش، وحسين الجعفي عن ابن عياش، وعن أبي عمرو وغيرهم. وروى القراءة عنه أحمد بن يزيد الحلواني، وموسى بن إسحاق وغيرهما. توفي سنة ٢٤٩. طبقات ابن الجزري : ٢ : ٣٤٥.
٤ هو الحسين بن علي بن فتح الإمام الحبر أو عبد الله، يقال : أبو علي الجعفي مولاهم. الكوفي الزاهد، أحد الأعلام. قرأ على حمزة، وهو أحمد الذين خلفوه في القيام بالقراءة، وروى القراءة عن أبي بكر بن عياش وأبي عمرو بن العلاء. وروى عنه القراءة خلاد بن خالد وهارون ابن حاتم وغيرهما. وروى عن الكسائي، قال قال لي الرشيد : من اقرأ الناس اليوم؟ قلت : حسين الجعفي. مات في ذي القعدة سنة ٢٠٣ عن أربع وثمانين سنة. طبقات ابن الجزري : ١ : ٢٤٧.
٦ أصيبية : كأنه تصغير أصبية، جمع صبي. الحجلى : اسم جمع، واحده حجل بالتحريك، والواحدة حجلة، وهو طائر في حجم الحمام، أحمر المنقار والرجلين. وضبطت "الحجلى" في الأصل بفتح الحاء، وهو تحريف. والشربة : موضع بين السليلة والربذة، وقيل غير ذلك. اللسان "صبا"، ومعجم البلدان.


الصفحة التالية
Icon