سورة ق
ومن ذلك قراءة ابن عباس وأبي العالية ويحيى بن يعمر ونصر بن سيار :"فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ١"، بكسر القاف مشددا.
قال أبو الفتح : هذا أمر للحاضرين، ثم لمن بعدهم. فهو كقولك : قد أجلتك٢ فانظر هل لك من منجي أو من وزر؟ وهو فعلوا من النقب، أي : ادخلوا وغوروا في الأرض، فإنكم لا تجدون لكم محيصا.
ومن ذلك قراءة السدي :"أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ٣".
قال أبو الفتح : أي : ألقي منه، وهذا كأنه أندى معنى إلى النفس من القراءة العامة، وذلك أن قوله تعالى :﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ معناه : ألقي سمعه نحو كتاب الله تعالى وهو شهيد، أي : قلبه حاضر معه، ليس غرضه أن يصغى كما أمر بالإصغاء نحو القرآنن ولا يجعل قلبه إليه، إلا ظاهر الأمر وأكثره أن إذا ألقي سمعه أيض فقلبه أيضا نحوه ومعه.
وهذه القراءة المنفردة كأنها أشد تشابه لفظ : لأن ظاهرها أن قلبه ألقي إليه، وليس في اللفظ أنه هو ألقاه، فاتصل بعض ببعض، فكأنه ألقي سمعه إليه وقلبه، حتى كأن ملقيا غيره ألقي سمعه إلى القرآن. وليس عجيبا أن يقال : إن قلبه عند ذلك معه، لأنه إذا كان هو الذي ألقه نحوه فالعرف أن يكون قلبه معه، وهو شاهد لا غائب.
ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن السلمي وطلحة :"وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب٤"، بفتح اللام.
قال أبو الفتح : قد تقدم القول على ذلك٥، وذكرنا رأي أبي بكر ونحوه من المصادر التي جاءت على فعول بفتح الفاء، كالوضوء، والولوع، والطهور، والوزوع٦، والقبول، وأنها صفات مصادر محذوفة، أي : توضأت وضوءا وضوءا، أي وضوءا حسنا. وكذلك هذا أي : ما مسنا من لغوب لغوب، فيصف اللغوب بأنه لغوب، أي لغب ملغب.
٢ هذه الكلمة غير واضحة في الأصل، وسيأتي الكلام يؤذن أنها "أجلتك" كما أثبتناها.
٣ سورة ق : ٣٧.
٤ سورة ق : ٣٨.
٥ انظر الصفحة ٢٠١ من هذا الجزء.
٦ الوزوع : الإغراء.