أي : لم يثني عنها ثان١.
ومن ذلك قراءة الناس :"أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ٢".
وقرأ مجاهد :"بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون"، في الطور٣.
قال أبو الفتح : هذا هو الموضع الذي يقول أصحابنا فيه : إن أم المنقطعة بمعنى بل، للترك والتحول، إلا أن مات بعد بل متيقن، وما بعد أم مشكوك فيه، مسئول عنه. وذلك كقول علقمة بن عبدة.
هل ما علمت وما استودعت مكتوم أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم٤؟
كأنه قال : بل أحبلها إذ نأتك اليوم مصروم؟ ويؤكده يوله بعده [١٥٢ظ] :
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته إثر الأحبة يوم البين مشكوم٥
ألا ترى إلى ظهور حرف الاستفهام، وهو "هل" في قوله : أم هل كبير بكى حتى كأنه قال : بل هو كبير؟ ترك الكلام الأول، وأخذ في استفهام مستأنف.
وقد توالت "أم" هذه في هذا الموضع من هذه السورة، قال "تعالى" :﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ٦﴾، أي : بل أيقولون ذلك؟، "أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ٧"، أي : بل أهم قوم طاغون. أخرجه مخرج الاستفهام، وإن كانوا عنده "تعالى" قوما طاغين؛ تلعبا بهم، وتهكما عليهم. وهذا كقول الرجل لصاحبه الذي لا يشك في جهله :
٢ سورة الطور : ٣٢.
٣ في الذاريات : ٥٣ :﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾.
٤ الحبل : استعارة للوصل والمحبة. ونأتك : أصله نأت عنك، فحذف "عن" ووصل الضمير بالفعل. ومصروم : مقطوع. ويذكرون أن العرب كانت تعرض أشعارها. على قريش، فما قبلوه منها كان مقبولا، وما كان مردودا. فقدم عليهم علقمة بن عبدة، فأنشدهم قصيدته : هل ما علمت... ، فقالوا : هذا سمط الدر. المفضليات : ٣٩٧، والخزانة ٤ : ٥١٦.
٥ كبير : يريد نفسه. ومشكوم : مجازي، والشكم : العطية جزاء، فإن كانت ابتداء فهي الشكد.
٦ سورة الطور : ٣٠.
٧ سورة الطور : ٣٢.