وأما في هذه القراءة فإنه كرر اللفظ والمثال جميعا، فقال :"مَهِّلِ الْكَافِرِينَ مَهِلْهُمْ"، فجعل ما تكلفه من تكرير اللفظ والمثال جميعا عنوانا لقوة معنى توكيده، إذ لو لم يكن كذلك لانحرف في الحال بعض الانحراف. وهذا كقول الرجل لصاحبه : قد عرفت أنني لم آتك في هذا الوقت، وإلى هذا المكان، وعلى هذه الحال إلا لداع إليه قوي، وأمر عان.
ويدلك على كلفة التكرير عليهم أشياء : منها التضعيف، نحو شدد، فإذا سكن الأول من المثلين فوقع هناك خلاف ما سهل اللفظ بهما١ [١٦٥ظ] فقيل : شد. وكذلك إن سكن الثاني قيل : شددت. ومنها أنهم لما آثروا التكرير للتوكيد في نحو جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون٢ خالفوا بين الفاء والعين، ووفقوا بين اللامات، وهي العينات منها؛ لتختلف الحروف، فتقل الكلمة.
فإن قيل : فلم خالفوا بين الفاءات والعينات ووفقوا بين اللامات؟ قيل : لأن اللام مقطع الحروف، وإليها المفضي، وعليها المتسقر، فوفقوا بينها لتتلاقى المقاطع على لفظ واحد، فيكون ما شذ من الفاء والعين مجموعا باللام، فاعرف ذلك٣.
٢ أكتعون من قولهم : تكتع الجلد، إذا تقبض واجتمع، وابصعون من قولهم : تبصع العرق، إذا سأل، وهو لا يسيل حتى يجتمع، وأبتعون من البتع، وهو الشدة أو طول العنق، وكلاهما لا يخلو من معنى الاجتماع، فالكلمات الثلاث من معنى الجمع، ويجاء بها مع أجمع بعد كل لتقوية قصد الشمول.
٣ ليس في نسختي الأصل ذكر لسورة الأعلى، ومكانها بين سورتي الطارق والغاشية.