قال أبو الفتح : يساقط هنا بمعنى يسقط، إلا أنه شيئا بعد شيء، وعليه قول ضابئ البرجمي :
يُسَاقِطُ عَنْهُ رَوْقُهُ ضَارِيَاتِها سِقَاطَ حَدِيدِ القَين أَخْوَلَ أَخْوَلا١
أي يسْقُطُ قرن هذا الثور ضاريات كلاب الصيد لطعنه إياها، شيئا بعد شيء.
ومن ذلك قراءة طلحة :"رُطَبًا جِنِيًّا"، بكسر الجيم.
قال أبو الفتح : أتبع فتحة الجيم من "جِنِيًّا" كسرة النون، وشبه النون وإن لم تكن من حروف الحلق بهن في نحو صَأَى٣ الفرخ صِئِيا، وفي نحو : الشخير، والنخير٤، والنغيق٥ والشعير، والبعير، والرغيف. وحكى أبو زيد عنهم : ذلك لمن خاف وعيد الله.
وله في تشبيهه النون بالحرف الحلقي عذر ما؛ وذلك لتفاوتهما، فالنون متعالية، كما أنهن سوافل : فكل في شقه مضاد لصاحبه، ألا ترى أن أبا العباس قال في همزة صحراء وبطحاء ونحوهما : صحراوان وبطحاوان [٩٧و] وصحراوات وبطحاوات؟ شبهت الهمزة بالواو، لأن كل واحدة منهما طارفة في جهتها؛ فجعل تناهيهما في البعد طريقا إلى تلاقيهما في الحكم.
وبعد فالعرب تجري الشيء مجرى نقيضه، كما تجريه مجرى نظيره. ألا تراها قالت : طَوِيل كما قالت : قَصِير، وشَبْعان كجَوْعان، وكَرُمَ كلَؤُمَ، وعَلِمَ كجَهِلَ؟ ولأجل هذا قال بعضهم : إن قَوِيَ فعل في الأصل حملا على نظيره الذي هو ضَعُفَ، وفي هذا كاف من غيره. ونحو من معناه قول المنجمين في النحسين إذا تقابلا : استحالا سعدا، وعليه قول الناس : عداوة أربعين سنة مودة. والمعاني في هذا٦ العالم متلاقية على تفاوُتها، ومجتمعة مع ظاهر تفرقها، لكنها محتاجة إلى طَبٍّ٧ بها وملاطف لها.
٢ سورة مريم : ٢٥.
٣ صأى الفرخ ونحوه : صوت.
٤ النخير : مد الصوت في الخياشيم.
٥ النغيق : صوت الغراب، أو هو في الخير. والنعيب في الشر. وفي ك : النفيق، وهو تحريف.
٦ في ك : والمعنى، وهو تحريف.
٧ الطب : الحاذق الماهر في عمله.