قال أبو الفتح : هو لعمري غريب عن الاستعمال، إلا أن له وجها أنا أذكره.
وذلك أنه يقال : أجزأني الشيء : كفاني، وهذا يجزئني من كذا، أي يكفيني منه، فكأنه في الأصل نجزئ به جهنم، أي نكفيها به، ومعناه : نمكنها منه. فتأتي عليه، كأنها تطلب باستيفائها إياه الاكتفاء بذلك، ثم حُذف حرف الجر. فصار نجزئه جهنم، أي : نُطعمه جهنم، كما حُذف الحرف في قوله "تعالى" :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا﴾١، أي : من "قومه"، ثم أبدلت الهمزة من نجزئه ياء على حد أخطيت وقريت؛ فصارت ياء ساكنة : نجزِيهُ، وأقرت الهاء على ضمتها وهو الأصل، كما قرأ أهل الحجاز :"فَخَسَفْنَا بِهُو بِدَارِهُو الْأَرْضَ٢".
وزاد في حسن الضمة هنا أن الأصل الهمز. والهاء مع الهمزة هنا مضمومة. أي : نجزئه، فلما أبدلت الهمزة على غير قياس صارت الهاء كأن لا ياء قبلها؛ لأنه ليس هناك مسوغ للهمز لولا حمله على قريت وبابه، فبقيت الهاء على ضمتها تنبيها على أن الهمز ياء في الحكم، وأن ما عرض فيه من البدل لم يكن عن قَوِيّ عذر، فهذا٣ طريق الصنعة فيه. وهو أمثل من أن يحمل على إعطاء في بابه بما لا طريق إلى تسهيل طريقه.
ومن ذلك قراءة الحسن وعيسى الثقفي وأبي حيوة :"رَتَقًا"٤، بفتح التاء.
قال أبو الفتح : قد كثر عنهم مجيء المصدر على فَعْل ساكن العين. واسم مفعول منه على فعَل مفتوحها، وذلك قولهم : النفْضُ للمصدر والنَّفَضُ للمنفوض٥، والخبْط. المصدر والخبَط الشيء المخبوط، والطرْد المصدر والطرَد المطرود. وإن كان قد يستعمل مصدرا، نحو : الحلْب والحلَب. فقراءة الجماعة :﴿كَانَتَا رَتْقًا﴾ كأنه مما وضع من المصدر موضع اسم المفعول، كالصيْد في معنى المصيد، والخّلْق بمعنى المخلوق.
وأما "رَتَقًا"، بفتح التاء فهو المرتوق، أي : كانتا شيئا واحدا مرتوقا، فهو إذًا كالنفض
٢ سورة القصص : ٨١.
٣ في ك : وهذا.
٤ سورة الأنبياء : ٣٠.
٥ في ك : النقض للمصدر والنقض للمنقوض، وهو تحريف. وسيأتي قريبا ذكر النقض.