فارسي معرب، وأنكر ذلك أصحابنا : أبو عبيدة وكافة أصحابنا، وقالوا : بل هو عربي، وهذه اللغات بعد مسموعة فيه. وقال قوم : هو مَلَك، وقال آخرون : هو كاتب كان للنبي "صلى الله عليه وسلم"، وذلك مدفوع؛ لأن كتابه معروفون.
ويشبه أن يكون هذان القولان إنما قاد إليهما توهم من ظن أن السجلّ هنا فاعل في المعنى، وإنما هو مفعول في المعنى. وهو كقولك : كطي الكتاب للكتابة، وقوله :"للكتاب" كقولك : للكتابة، أي كطي الكتاب لأن يكتب فيه؟
ومن ذلك ما رواه أيوب عن يحيى عن ابن عامر أنه قرأ :"وَإِنْ أَدْرِيَ لَعَلَّه"١، "وَإِنْ أَدْرِيَ أَقرِيبٌ"٢، بفتح الياء فيهما جميعا.
قال أبو الفتح : أنكر ابن مجاهد تحريك هاتين الياءين، وظاهر الأمر لعمري كذلك، لأنها لام الفعل بمنزلة ياء أرمي وأفضي، إلا أن تحريكها بالفتح في هذين الموضعين لشبهة عرضت هناك، وليس خطأ ساذجا بحتا.
وذلك أنك إذا قلت :"أدري" فلك هناك ضمير وإن كان فاعلا، فأشبه آخرهُ، آخرَ ما لك فيه ضمير وإن كان مضافا إليه، كقولك : غلامي وداري. فلما تشابه الآخران بكونهما ياءين، وهناك أيضا للمتكلم ضميران، وهما المرفوع في "أدري" و"صاحبي"؛ ففتحت الياء في "أدري" كما تفتح في نحو "داري" و"غلامي".
ولا تستبعد في الشبه نحو هذا، فقد همزوا مصائب لما أشبه حرف اللين في مصيبة - وإن كانت عينا - حرف اللين في صحيفة وإن كان زائدا٣. وقالوا ما هو أعلى من هذا، وهو أنهم تركوا صرف أحمد وأصرم٤ لما أشبها بالمثال نحو أركبُ وأذهبُ، وقالوا أيضا : مَسِيل، وهو من سال يسيل وياؤه عين، ثم عاملوها معاملة ياء فعيل الزائدة، فقالوا :
٢ سورة الأنبياء : ١٠٩.
٣ في ك : رائدا، وهو تحريف.
٤ الأصرم : الفقير الكثير العيال.