يغْدُوا عليكَ مُرَجِّلِيـ ـنَ كأنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا١
فقوله : يغْدُوا عليكَ مُرَجِّلِينَ بدلٌ من قوله : لا يحْفِلُوا.
ومن ذلك قراءة الزهري :"والدَّوَابُ"٢، خفيفة الياء. ولا أعلم أحدًا خففها سواه.
قال أبو الفتح : لعمري إن تخفيفها قليل ضعيف قياسا وسماعا.
أما القياس فلأن٣ المدة الزائدة في الألف عوض من اجتماع الساكنين حتى كأن الألف حرف متحرك٤، وإذا كان كذلك٥ فكأنه لم يلتق ساكنان. ويدل على أن زيادة المد في الألف جار مجرى تحريكها أنك لو أظهرت التضعيف فقلت : دوابِب، لقصرت الألف وإذا أدغمت أتممت صدى الألف فقلت دوابّ؛ فصارت تلك الزيادة في الصوت عوضا من تحريك الألف.
وأما السماع فإنه لا يعرف فيه التخفيف، لكن له من بعد ذلك ضرب من العذر، وذلك أنهم إذا كرهوا تضعيف الحرف فقد يحذفون أحدهما، من ذلك قولهم : ظَلْت، ومَسْت، وأَحَسْت. يريدون : ظَلِلْت، ومَسِسْت، وأَحسست، قال أبو زبيد :
خَلَا أنَّ العِتَاقَ من المَطايا أَحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إليهِ شُوسُ٦
وقال :
قَدْ كُنْتُ عِنْدَكَ حَوْلًا لا تُرَوِّعُني فِيهِ رَوَائِعُ من إنس ولا جَانِ٧

١ لشاعر جاهلي قديم. وروي البيت الأول :
أن يغدروا أو يكذبوا أو يختروا لا يحفلوا
ومع هذين البيتين بيت ثالث، وهو :
كأبي براقش كل لو ن لونه يتحول
ويختروا : من ختر كضرب : غدر وخدع. وأبو براقش : دويبة مثل العظاية، تراها مرة خضراء؛ ومرة حمراء، ومرة صفراء في وقت واحد. انظر ذيل الأمالي : ٨٤، والكتاب : ١ : ٤٤٦، وشرح أدب الكاتب : ٢٤٢، ٢٤٣.
٢ في الآية ١٨ من سورة الحج.
٣ في ك : فإن.
٤ في ك : لمتحرك، وهو تحريف.
٥ في ك : لذلك، وهو تحريف.
٦ انظر المحتسب : ١ : ٢٦٩.
٧ لعمران بن حطان، رواه اللسان "جن"، وفيه "جاني" بياء، ثم قال : أراد من إنس ولا جان، فأبدل النون الثانية ياء.


الصفحة التالية
Icon