ذهب إلى تعليق ينزع في هذا الموضع؟ ولو كان بمنزلة نزع الرَّجُلِ الرِّجْلَ من الخف أو المسمار من الجذع ونحوه [١٠٧و] لما جاز تعليقه.
قال أبو علي : فإنما هو إذًا كقولك : لنميزنهم بالاعتقاد والعلم فنخصهم باستحقاق الذم بما يجب اعتقاده في مثلهم. هذا محصول ما كان يقوله أبو علي فيه وإن لم يحضرني الآن صورة لفظه. فكذلك إذًا قوله :"لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يَنْزِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ" أي : فاثبت على دينك ولا يمل بك هواك إلى اعتقاد دين غيرك.
وأما قراءة العامة :﴿فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ﴾ أي : فاثبت على يقينك في صحة دينك ولا تلتفت إلى فساد أقوالهم، حتى إذا رأوك كذلك أمسكوا عنك ولم ينازعوك، فلفظ النهي لهم ومعناه له، صلى الله عليه وسلم. ومثله قولهم : لا أرينك ههنا، ألا ترى أن معناه : لا تكن هنا فأراك؟ فالنهي في اللفظ لنفسه، ومحصول معناه للمخاطب. ومثله قول النابغة :
لا أَعْرَفًا رَبْرَبًا حُورًا مَدَامِعُها كأنَّ أبْكَارَها نِعَاجُ دُوَّار١
أي لا تَدْن مني كذلك فأعرفها، وكلام للعرب كثير الانحرافات ولطيف المقاصد والجهات، وأعذب ما فيه تلفته وتثنيه.
كأنهن نعاج حول دوار
والربرب : قطيع بقر الوحش، وكنى به عن النساء. وأبكارها : صغارها؛ ويريد بها الجواري من النساء. والنعاج : جمع نعجة، وهي البقرة الوحشية. والدوار : ما استدار من الرمل. يخاطب بني فزارة بن ذبيان، يخوفهم النعمان بن الحارث الغساني، وكانوا قد نزلوا مرجا محميا لا يقربه أحد. انظر ديوان الشاعر : ٤٢، وشرح المعلقات السبع للزوزني : ١٧٤، والكتاب : ٢ : ١٥٠.