وأما "هيهاتْ هيهاتْ"، ساكنة بالتاء فينبغي أن يكون جماعة، وتكتب بالتاء؛ وذلك أنها لو كانت هاء كهاء علقاة وسماناة١ للزم في الوقف عليها أن يلفظ بالهاء كما يوقف مع الفتح فيقال : هَيْهَاه هَيْهَاه، فبقاء التاء في الوقف في السكون دليل على أنها تاء، وإذا كانت تاء فهي للجماعة، وهو أمثل من أن يعتقد فيها أنها أجريت في الوقف مجراها في الوصل من كونها تاء كقولنا : عليه السلام والرحمتْ، وقوله :
بلْ جَوْزِ تيهَاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ٢
لقلة هذا وكثرة الأول، وكذلك يقف الكسائي عليه، وهو عندي حسن لما ذكرته.
وعذر من وقف بالتاء كونها في أكثر الأمر مصاحبة للأخرى من بعدها، ولأنها أيضا تشبه الفعل، والفعل أبدا متطاول على الفاعل، وهذا طريق الوصل، ولأن الضمير فيها لم يؤكد قط، فأشبهت الفعل الذي لا ضمير فيه، فكان ذلك أدعى في اللفظ إلى إدراجها بالتوقع له٣ :
والذي حسن الوقوف عليها حتى نطق بالهاء فيها ما أذكره لك، وهو أن هيهاهْ جارية مجرى الفعل في اقتضائها [١٠٨ظ] الفاعل، فإذا قال : هيهاتَ، فكأنه قال : بعُد بعثكُم، بعُد إنشاؤكم، بعُد إخراجكم. فإذا وقف عليه أعلم أن فيه فاعلا مضمرا وأن الكلمة قد استقلت بالضمير الذي فيها، وإذا وصلها بالأخرى أوهم حاجة الأولى إلى الآخرة فآذن بالوقوف عليها باستقلالها وغنائها عن الأخرى من بعدها، فافهم ذلك. ولا يجوز أن يكون قوله٤ :﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ هو الفاعل؛ لأن حرف الجر لا يكون فاعلا، ولا يحسن اعتقاد زيادة اللام هنا
٢ لسؤر الذئب، وبعده :
قطعتها إذا المها تجوفت مآرنا إلى ذراها أهدفت
والجوز : الوسط. والتيهاء : المفازة التي يتيه فيها سالكها، أي يتحير. وبل جوز تيهاء، أي رب جوز تيهاء. والجحفة : الترس من جلد، شبه به التيهاء في الملاسة والخلو من الأعلام. وذكر الوسط ليدل بتوسطه إياها على قوته وجلادته. والمها : جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية. والمآرن : أصلها المآرين : جمع المئران، وهو كناس الوحش. وذراها" ظلها. وأهدفت : لجأت، وأصل الأهداف : الدنو والاستقبال. وروى مآزقا مكان مآرنا. وانظر الخصائص : ١ : ٣٠٤، وشرح شواهد الشافية : ٢٠٠، واللسان :"جحف".
٣ سقطت "له" في ك.
٤ قوله ساقطة في ك.