قال أبو الفتح : هنا على قراءة الكافة إلا عبد الرحمن ضمير محذوف، أي : أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نُسارِع لهم به في الخيرات، أو نُسْرع لهم به، أو يُسارَعُ [١٠٩و] لهم به في الخيرات؟ فحذفت "به" للعلم بها، كما حذف الضمير في قولهم : السمن مَنَوَان بدرهم، أي : منوان منه بدرهم، فكأن "به" المتقدمة في الصلة من قوله :﴿نُمِدُّهُمْ بِهِ﴾ صارت عوضا من اللفظ بها ثانية. ومعناه أنا لا نقدمه لهم إرادة للخير، بل هو إملاء واستدراج لهم كقوله جل وعز١ :﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ﴾٢، إلى آخر ذلك وغيره من الآي في معناه.
وأما قراءة عبد الرحمن بن أبي بكرة "يُسَارِعُ" بكسر الراء، وبالياء فلا حاجة به إلى تقدير حذف الضمير؛ لأن في الفعل ضميرا يعود على "ما" من قوله :﴿أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ﴾.
ومن ذلك قراءة النبي ﷺ وعائشة وابن عباس وقتادة والأعمش :"يَأتُونَ مَا أَتَوْا"٣ قصرا.
قال أبو الفتح : قال أبو حاتم - فيما روينا عنه - يأتون ما أتوا، قصرا، أي : يعملون العمل وهم يخالفونه ويخافون لقاء الله ومقام الله، قال : ومعنى قوله :﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا﴾ يعطون الشيء فيشفقون ألا يقبل منهم. وحُكي عن إسماعيل بن خلف قال : دخلت مع عبيد الله بن عمير الليثي على عائشة "رضي الله عنه"، فرحبت به، فقال لها : جئتك لأسالك عن آية في القرآن. قالت : أي آية هي؟ فقال :"َالَّذِينَ يَأتُونَ مَا أَتَوْا"، أو ﴿يُؤْتُونَ مَا آتَوْا﴾؟ فقالت : أيتهما أحب إليك؟ قال : فقلت : لأن تكون "يَأتُونَ مَا أَتَوْا" أحب إلي من الدنيا جميعا، فقالت : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"يأتون ما أتوا" ولكن الهجاءَ حُرّف٤.
٢ سورة الزخرف : ٣٣.
٣ سورة المؤمنون : ٦٠.
٤ ورد هذا الخبر في تفسير الطبري "١٨ : ٢٦" ولم يعقب عليه كما على دعوى خطأ الكاتب في :﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاة﴾ من آية ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ..﴾. =