الدلالة على حكمين شرعيين فى حالين مختلفين، ومثال ذلك قوله تعالى: ((فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين))(١) حيث قرئ (( وأرجلكم)) بالنصب عطفاً على ((وجوهكم)) وهى تقتضى غسل الأرجل، لعطفها على مغسول وهى الوجوه. وقرئ ((وأرجِلكم)) بالجر عطفاً على ((رءوسكم)) وهذه القراءة تقتضى مسح الأرجل، لعطفها على ممسوح وهو الرءوس. وفى ذلك إقرار لحكم المسح على الخفين.
دفع توهم ما ليس مراداً: ومثال ذلك قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله))(٢) حيث قرئ ((فامضوا إلى ذكر الله))، وفى ذلك دفع لتوهم وجوب السرعة فى المشى إلى صلاة الجمعة المفهوم من القراءة الأولى، حيث بينت القراءة الثانية أن المراد مجرد الذهاب.(٣)
إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز، حيث إن كل قراءة مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، وذلك من دلائل الإعجاز فى القرآن الكريم، حيث دلت كل قراءة على ما تدل عليه آية مستقلة.
اتصال سند هذه القراءات علامة على اتصال الأمة بالسند الإلهى، فإن قراءة اللفظ الواحد بقراءات مختلفة، مع اتحاد خطه وخلوه من النقط والشكل، إنما يتوقف على السماع والتلقى والرواية، بل بعد نقط المصحف وشكله ؛ لأن الألفاظ إنما نقطت وشكلت فى المصحف على وجه واحد فقط، وباقى الأوجه متوقف على السند والرواية إلى يومنا هذا. وفى ذلك منقبة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بسبب إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السند بالسند الإلهى، فكان ذلك تخصيصاً بالفضل لهذه الأمة.(٤)
(٢) سورة الجمعة: ٩ ٠
(٣) ينظر: مناهل العرفان ١ / ١٤٧، ١٤٨
(٤) ينظر: جواهر البين فى علوم القرآن د ٠ محمد العسال ص ٩٤ ٠