إن الاختلاف الذى ينفيه القرآن هو الاختلاف فى ذات القرآن بما تحمله آياته من معان، إذ لا اضطراب فيها ولا تعارض ولا تناقض، وكل ما أوهم ذلك قد أجاب عنه العلماء بما لا يدع مجالاً لعرضه مرة أخرى، وقد قلت فى مقدمة هذا الكتاب: لا يرد على ذلك الناسخ والمنسوخ، فالتعارض بينها مدفوع بإثبات الحكم الناسخ ونفى وإلغاء الحكم المنسوخ. فتحصل من خلال ذلك أن التناقض والتدافع بين معانى القرآن الكريم غير موجود، وهذا هو الذى تقرره الآية الكريمة.
وأما اختلاف القراءات، وكون القرآن الكريم قد نزل على سبعة أحرف فهو تنوع من ألفاظ القرآن وتوسعة فى النطق به وتعدد فى وجوه الأداء، دون أن يثبت ذلك اختلافاً فى القرآن، ليس هذا فقط بل إن لتعدد القراءات فوائد جمة، قد ذكرت فى محلها، هذه الفوائد لا تنفى عن القراءات فقط كونها سلبية، بل تثبت لها جوانب إيجابية عديدة.
يقول الشيخ الزقانى:
إن نزول القرآن على سبعة أحرف - وتعدد وجوه قراءاته - لا يلزم منه تناقض ولا تخاذل ولا تعارض ولا تضاد ولا تدافع بين مدلولات القرآن ومعانيه، وتعليمه ومراميه، بعضها مع بعض، بل القرآن كله سلسلة واحدة، متصلة الحلقات، محكمة السور والآيات، متآخذة المبادئ والغايات، مهما تعددت طرق قراءاته، ومهما تنوعت فنون أدائه.(١)
ويتمم الجواب عن هذه الشبهة والرد عليها كلام ابن مسعود -رضى الله عنه - والإمام الغزالى - رحمه الله - الذى ذكرته فى مقدمة الكتاب، ويكفينى هنا الإحالة عليه دون إعادته.
وملخص هذا الجواب أن الاختلاف المنفى فى الآية هو الاختلاف بمعنى تباين النظم، وتناقض الحقائق، وتعارض الأخبار، وتضارب المعانى. وأما اختلاف القراءات فهو التنوع فى الأداء والتوسع فى النطق فى إطار ما نزل من عند الله.
الشبهة الثانية:
قالوا كذلك: