ولعل ما يقرب هذا المفهوم - فيما بدا لى - فكرة التضمين فى اللغة، إذ إن الاسم أو الفعل الذى دخله التضمين لا يلغى التضمين معناه الأصلى ولكن يضيف إليه معنى جديداً، فمثلاً قول الله تعالى: ((حقيق على ألا أقول على الله إلا الحق)) (١) ضمن فيه لفظ "حقيق" معنى حريص، ولم يلغ مع ذلك المعنى الأصلى للكلمة فصار المعنى: جدير بألا أقول على الله إلا الحق وحريص على ذلك فلن أخل به. (٢) وإذا كان هذا هو التضمين فى الاسم فهو فى الفعل كذلك، اقرأ قول الله تعالى: ((عيناً يشرب بها عباد الله)) (٣) حيث ضمن الفعل "يشرب" معنى "يروى" ولذا عدى بالباء، ولم يُلغ مع ذلك المعنى الأصلى إذ الرى هو منتهى الشرب، فجمع الفعل بهذا التضمين بين معنيين لم يلغ أحدهما الآخر ولم يعارضه.
نعود إلى السؤال المطروح والذى أجبت عنه بالنفى:
وتقرير هذا الجواب هو أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية، فإن التفسير الصحيح هو الذى يحمل اللفظ على حقيقته الشرعية ؛ لأن الشرع قد نقل هذا اللفظ من معناه اللغوى إلى معنى شرعى جديد فوجب التزامه، وذلك كألفاظ الصلاة والزكاة والوضوء وغيرها، فلهذه الألفاظ معان فى اللغة واصطلاحات أو حقائق فى الشرع، وعلى المفسر حينئذٍ تقديم الحقيقة الشرعية لأن القرآن جاء مقرراً للشرع.
(٢) أنظر: تفسير الكشاف - ٢/١٠١، المنار - ٩/٣٨.
(٣) سورة الإنسان : ٦.