وقوله سبحانه :- ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم..) ٤٤. فقدم رزق الآباء في آية الأنعام على الأبناء، وفي آية الإسراء قدم رزق الأبناء على الآباء، وذلك أن الكلام في الآية الأولى، موجه إلى الفقراء دون الأغنياء، فهم يقتلون أولادهم من الفقر الواقع بهم، لا أنهم يخشونه، فأوجبت البلاغة تقديم عدتهم بالرزق، وتكميل العدة برزق الأولاد.
وفي الآية الثانية ( آية الإسراء )، الخطاب لغير الفقراء، وهم الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر، لا أنهم مفتقرون في الحال، وذلك أنهم يخافون أن تسلبهم كلف الأولاد ما بأيديهم من الغنى، فوجب تقديم العدة برزق الأولاد، فيأمنوا ما خافوه من الفقر، فقال : لا تقتلوهم فإنا نرزقهم وإياكم، أي أن الله جعل معهم رزقهم، فهم لا يشاركونكم في رزقكم، فلا تخشوا الفقر. ٤٥
ومن المناسبات بين أجزاء الآية :
مراعاة ما يقتضيه التعبير والمعنى والسياق، مع مراعاة الإنسجام في فواصل الآيات، لما لذلك من تأثير كبير على السمع، ووقع مؤثر في النفس. من ذلك قوله تعالى :- ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ). ٤٦
وقوله سبحانه :- ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ) ٤٧. ولا شك أن خاتمة كل من الآيتين تنسجم مع الآيات فيهما، ولكن السياق أيضا يقتضي الفاصلة التي ختمت فيها كل آية من الآيتين، ذلك أن الآية في سورة إبراهيم، في سياق وصف الإنسان وذكر صفاته، فختم الآية بصفة الإنسان. وأن الآية الثانية في سورة النحل : في سياق صفات الله تعالى، فذكر صفاته. ٤٨
ومن ذلك قوله تعالى :- ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) ٤٩ ففي الآية أن جزاء السارق والسارقة قطع أيديهما، والتنكيل بهما جزاء سرقتهما وخيانتهما. قال الأصمعي :[ كنت أقرأ سورة المائدة، ومعي أعرابي، فقرأت هذه الآية :