وقال :( اعلم أن كثيرا من المفسرين جاءوا بعلم متكلف، وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهي عنه، في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه، وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية، المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف، فجاءوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف، ويتنزه عنها كلام البلغاء، فضلا عن كلام الرب سبحانه.) ١١٢
ونرد عليه بأن للمناسبة فائدة وأي فائدة، إذ أنها تساعد في ترجيح رأي على آخر إذا تساويا في القوة، وكان أحدهما أليق بارتباط أجزاء الآية، أو الآيات، فإن العقل يتوجه بداهة لترجيح ما هو الأولى بنظم الكلام.
أما قوله بأن فن المناسبة ( كلام بمحض الرأي المنهي عنه ) فغير مقبول، لأن الرأي المنهي عنه هو الرأي الناشئ عن الهوى، أو غير الملتزم بضوابط التفسير.
قال الإمام الشاطبي :( إن إعمال الرأي في القرآن جاء ذمه، وجاء أيضا ما يقتضي إعماله، فما كان موافقا كلام العرب، والكتاب والسنة، فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما، أماالرأي غير الجاري على موافقة العربية، أو غير الجاري على الأدلة الشرعية، فهذا هو الرأي المذموم، المنهي عنه.) ١١٣
كما أن ذكر المناسبة بين الآيات والسور : ليس تكلما بمحض الرأي، بل هو يبرز الوحدة المعنوية بين آيات وسور الكتاب العزيز، ويرسخ الإعتقاد بإعجاز القرآن الكريم، لما يبديه هذا العلم من لطائف القرآن وأسراره، كما أنه يعزز رأي العلماء الذين يرون أن ترتيب السور توقيفي، لا اجتهاد فيه. أما قوله :( فقد جاءوا بتكلفات وتعسفات.. الخ ) : ففيه حيف على المفسرين،