أن المراد بالحضور هنا المشاهدة. قال: وهو بالظاء بمعنى المنع والتحويط، قال: ولم يأت بهذا المعنى إلاّ في موضع واحد، وهو قوله تعالى: "فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ"[١١١].
وقال أحمد بن فارس: ((كل ما في القرآن من ذكر الأسف، فمعناه الحزن إلا: "فَلَمَّا ءَاسَفُونَا"[١١٢] فمعناه أغضبونا".
وكل ما فيه من ذكر البروج فهي الكواكب إلا:
"وَلَو كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ"[١١٣]. فهي القصور الطوال الحصينة.
وكل ما فيه من ((سخر)) فالاستهزاء إلا: "سُخْرِيًّا"[١١٤].
في الزخرف فهو من التسخير والاستخدام))[١١٥].
وهذا القدر فيه الكفاية للدلالة على وجود هذا النوع من التفسير في عصر الرسول r، والصحابة من بعده، والتابعين ومن جاء بعدهم إلا أنه لم تظهر دواعي تدوينه في زمن الرسول وأصحابه وتابعيهم وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن القرآن نزل بألسنتهم وهم أهل الفصاحة والبلاغة فهم من القدرة على إدراك ألفاظ القرآن ووجوه ألفاظه على حال لا تحوجهم إلى تدوينه، ولم يكن المجتمع العربي قد اختلط بعد باللسان الأعجمي الذي يحتاج إلى مثل هذه العلوم.
ثانياً: مشاهدتهم للتنزيل ومعرفة مناسبة النزول تساعدهم على فهم المراد من اللفظ في كل آية، وإن تعدد وروده في أماكن كثيرة من الآيات، ولكن ما إن جاء عصر أتباع التابعين حتى بعدت شقة الزمن بينهم وبين التنزيل فخفي عليهم بعض أسباب النزول، كما أن العجم قد دخلوا أفواجاً في الإسلام وهم لا علم لهم باللغة العربية وأساليبها، بالإِضافة إلى ذلك ظهور الأحزاب السياسية الإسلامية التي حاولت أن تدعم مزاعمها بحمل الألفاظ على المعنى الذي يؤيد عقيدتها. كذلك انتشار تدوين العلوم، كل هذه الأمور كانت من أسباب تدوين هذا النوع من التفسير حفاظاً على هذا العلم من الضياع.