وبهذه الأوامر والنواهي: تصان الدماء، وتحترم الأعراض، ويسود الأمان والاطمئنان بين الناس فـ"كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه"، "والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
ومن محاسن هذه الشريعة أن اعتبرت المحافظة على الضروريات الخمس: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ النسل والعرض، حفظ العقل، حفظ المال، فهذه الأمور قد تعين صيانتها ويحرم المساس بها.
ويأتي في ختام هذه الوصايا الخمس قول الله تعالى: "ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"، وهذا التعقيب يجيء وفق المنهج القرآني في ربط كل أمر وكل نهي بالله ربطاً للأوامر والنواهي بهذه السلطة التي تجعل للأمر والنهي وزنه في ضمائر الناس وعقولهم: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لأُِوْلِي النُّهَى"[٤٦].
الوصية السادسة: "وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ".
تصدرت الآية الثانية والخمسين بعد المائة من السورة نفسها، قال الله تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أْحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ"[٤٧].
لقد شاء الله تبارك وتعالى واقتضت حكمته أن يأتي هذا الدين الخاتم على يد يتيم يكون هو النبي الخاتم، هذا اليتيم الكريم قد عهد الله إليه بأشرف مهمة في الوجود عندما شرفه بإبلاغ الرسالة إلى الناس كافة، وجعل من آداب هذا الدين الذي بعثه به رعاية اليتيم وكفالته على النحو الذي منه هذا التوجيه الوارد في الآية.
واليتيم ضعيف في الجماعة بفقده الوالد الحاني والمربي، ومن ثم تقع مسؤولية حمايته وكفالته على المجتمع المسلم، على أساس التكافل الاجتماعي الذي جعلته الشريعة قاعدة نظامه الاجتماعي.