وهذه السورة التي أنزلت على المصطفى ؟ بمكة – فهي سورة مكية – كرس الحديث فيها عن قضية واحدة لا تتغير، لكن الأسلوب في عرضها لا يتكرر، وهي قضية التوحيد، قضية العقيدة، وهي القضية الكبرى، وهي القاعدة الأساسية لهذا الدين، فالعقيدة هي المدخل للإسلام، وهي محوره والروح التي تسري فيه، وقد جاءت هذه العقيدة في سورة موجزة: بسم الله الرحمن الرحيم: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"[٢].
فالعقيدة هي القاعدة الأساسية لإقامة هذا البناء العظيم، وهي الأصل والأساس، وعبادة الله هي البناء القائم على أساس العقيدة ؛ لأن الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر ؛ يترتب عليه الانقياد له فيما اختاره ورضيه، وفيما أمر به وما نهى عنه.
ولقد مضى على النبي ؟ في مكة ثلاثة عشر عاماً كاملة، في تقرير هذه القضية الكبرى، ولم يتجاوز القرآن المكي هذه القضية الأساسية إلى شيء مما يقوم عليها من التفريعات المتعلقة بنظام الحياة، إلا بعد أن علم الله أنها قد استقرت في الأذهان، واستوفت ما تستحقه من البيان، لقد شاءت حكمة الله أن تكون قضية العقيدة هي القضية التي تتصدى الدعوة لها، منذ اليوم الأول للرسالة، وأن يبدأ رسول الله ؟ أولى خطواته في الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن يمضي في دعوته يعرف الناس بربهم الحق ويُعَبِّدُهُم له دون سواه، وأن يرد السلطان كله إلى الله، فهو السلطان على الضمائر، والسلطان على الشعائر، والسلطان على واقعيات الحياة، والسلطان في المال، والسلطان في القضاء، والسلطان في الأرواح والأبدان.


الصفحة التالية
Icon