والكيل والوزن هما من أظهر الوسائل في ذلك، فلابد أن يكونا منضبطين وقائمين على القسط والعدل، وقوله تعالى: "لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا"، جاءت عقب الأمر بايفاء الكيل والوزن بالعدل، ولكن بقدر الطاقة للدلالة على الترخيص فيما خرج عن الوسع والقدرة ؛ لبيان قاعدة من قواعد الإسلام الرافعة للحرج ؛ وذلك لأن التبادل التجاري لا يمكن أن يتحقق على وجه كامل من المساواة والتبادل، بل الشأن فيه أن يقبل اليسير من الغبن في جانب البائع، أو في جانب المشتري، وهذه الوصية تجمع في ثناياها بين الدقة والسماحة، وبين الضبط ورفع الحرج.
الوصية الثامنة: "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى".
هنا نجد الإسلام يرقى بالضمير البشري إلى درجة عالية ومنزلة رفيعة ؛ لأن ههنا مزلة من مزلات الضعف البشري، الذي يجعل شعور الفرد بالقرابة هو شعور التناصر والتكامل والامتداد بما أنه ضعيف ناقص، ويجد في قوة القرابة سنداً لضعفه، ومن ثم يجعله ذلك ضعيفاً تجاه قرابته حين يقف موقف الشهادة لهم أو عليهم، أو القضاء بينهم وبين الناس، فعليه أن يحكم بالعدل، فالعدل هو الأساس للحكم السليم.
والعدل مطلوب في القول من الشهادة ونحوها في كل الأحوال، كما أن العدل مطلوب في الفعل وفي الحكم، وجاء التخصيص في الآية بالقول ؛ لأن أكثر ما يكون فيه العدل أقوال، كالشهادة والحكم.
وقوله تعالى: "وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى"، فهو أخذ بالإنسان عما جرت به عادته، من التأثر لغيرهم ؛ ولهذا تعين على المسلم أن ينطق بالحق، ويقول الصدق، دون أن يميل للقرابة، أو تحمله العداوة على الظلم والإجحاف، للآخرين، قال تعالى: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"[٥٥].
الوصية التاسعة: "وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا".