الثالث: أن يكون الصوت الطبعي خِلْقة: حسناً لذيذاً، مطرباً أمر يدرك بالإِحساس، ويشترك فيه جميع الناس، والإِنسان مجبول على محبة الحسن وبغض السيء. إذاً: فالفضيلة في ((حسن الصوت)) معلقة على استعماله فيما هو طاعة لله تعالى، فإذا استعين بهذه الفضيلة على ما أمر الله به كان طاعة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - ﷺ - قال: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) رواه البخاري وغيره. فهذا الصوت الحسن الطبعي إذا جعل في طاعة الله، وأجلها قراءة القرآن الكريم، كان طاعة لله تعالى، وعوناً على عبادته واستماع كتابه فيثاب المسلم على هذا الالتذاذ، وحلاوة ذلك أعظم الحلاوات(١). أما أن يكون مجرد استحسان الإنسان للصوت، دليل على استحبابه في الدين والتعبد به مجرداً، فهذا ضلال، إذ حقيقته تدين بعشق الصوت كالتدين بعشق الصور الحسنة وقد تنكبهما أهل العلم والإِيمان، وردوا على منحرفة المتصوفة في التعبد بعشق الصور الجميلة(٢) وبعشق الأصوات الجميلة، وما تثيره من الوجد والحركة. فالصوت لا يستلذ به لذاته تعبداً، وإنما لما يحمله من آيات التنزيل، وقوارع القرآن الكريم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى ١ / ٧٦، ٧٧)): (فالسماع الشرعي الديني: سماع كتاب الله، وتزيين الصوت به، وتحبيره، كما قال - ﷺ - ((زينوا القرآن بأصواتكم)) وقال أبو موسى: (لو علمت أنك تستمع لحبرته تحبيراً) والصور والأزواج، والسراري التي أباحها الله تعالى. والعبادة: عبادة الله وحده لا شريك له ؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
(٢) قام شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم بالرد على المتصوفة في ذلك في كتبهما انظر: الاستقامة لابن تيمية ١ / ٣٣١، ٣٧٣، والسماع لابن القيم. وعلى هذين الكتابين بنيت الوجوه في هذه الرسالة، وانظر الفتاوى ٢ / ٤٢.