وكذلك حَسَن الصوت قد يُدعى إلى أعمال في المكروهات، كما أن المال والسلطان يحصل بهما من المكنة ما يُدعى مع ذلك إلى أنواع الفواحش والمظالم، فإن الإنسان لا تأمره نفسه بالفعل إلا مع نوع من القدرة، ولا يفعل بقدرته إلا ما يريده، وشهوات الغيّ مستكنّة في النفوس، فإذا حصلت القدرة قامت المحنة، فإما شقي وإما سعيد، ويتوب الله على من تاب. فأهل الامتحان إما أن يرتفعوا وإما أن ينخفضوا. وأما تحريك النفوس عن مجرد الصوت، فهذا أيضا محسوس، فإنه يحركها تحريكاً عظيماً جداً بالتفريح والتحزين، والإغضاب والتخويف، ونحو ذلك من الحركات النفسانية، كما أن النفوس تتحرك أيضا عن الصور بالمحبة تارة وبالبغض أخرى، وتتحرك عن الأطعمة بالبغض تارة والنفرة أخرى، فتحرك الصبيان والبهائم عن الصوت هو من ذلك، لكن كل ما كان أضعف كانت الحركة به أشد، فحركة النساء به أشد من حركة الرجال، وحركة الصبيان أشد من حركة البالغين، وحركة [البهائم](١) أشد من حركة الآدميين، فهذا يدل على أن قوة التحرك عن مجرد الصوت لقوة ضعف العقل، فلا يكون في ذلك حمد إلا وفيه من الذم أكثر من ذلك، وإنما حركة العقلاء عن الصوت المشتمل على الحروف المؤلَّفة المتضمنة للمعاني المحبوبة، وهذا أكمل ما يكون في استماع القرآن. وأما التحرك بمجرد الصوت، فهذا أمر لم يأت الشرع بالندب إليه، ولا عقلاء الناس يأمرون بذلك، بل يعدُّون ذلك من قلة العقل، وضعف الرأي، كالذي يفزع(٢) من مجرد الأصوات المفزعة المرعبة. وعن مجرد الأصوات المغضبة ). انتهى.

(١) مكان كلمة ((البهائم)) بياض في الأصل، وأرجوا أن يكون إثباتها هو الصواب. (محقق الاستقامة). الناشر.
(٢) في الأصل : يبرع، ولعل الصواب ما أثبته (محقق الاستقامة) الناشر.


الصفحة التالية
Icon