- فنقول : قد تنازع الناس في وجوب سجود التلاوة. قيل : يجب. وقيل : لا يجب. وقيل : يجب إذا قرئت السجدة في الصلاة، وهو رواية عن أحمد، والذي يتبين لي أنه واجب : فإن الآيات التي فيها مدح لا تدل بمجردها على الوجوب؛ لكن آيات الأمر والذم والمطلق منها قد يقال : إنه محمول على الصلاة، كالثانية من الحج، والفرقان، واقرأ، وهذا ضعيف، فكيف وفيها مقرون بالتلاوة كقوله :( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ) ( السجدة : ١٥)، فهذا نفي للإيمان بالآيات عمن لا يخر ساجداً إذا ذكِّر بها، وإذا كان سامعاً لها، فقد ذُكّر بها....
- وكذلك سورة الانشقاق :( فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عليهمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ) ( الانشقاق : ٢٠، ٢١ )، وهذا ذم لمن لا يسجد إذا قرئ عليه القرآن كقوله :( فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) ( المدثر : ٤٩ )، وقوله :( وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ ) ( الحديد : ٨ )، وقوله :(فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) [ النساء : ٧٨ ]، ...
- وكذلك سورة النجم، قوله :( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) ( النجم : ٥٩ ـ ٦٢ )، أمرٌ بالغ عقب ذكر الحديث الذي هو القرآن يقتضي أن سماعه سبب الأمر بالسجود، لكن السجود المأمور به عند سماع القرآن كما أنه ليس مختصا بسجود الصلاة فليس هو مختصا بسجود التلاوة، فمن ظن هذا أو هذا، فقد غلط، بل هو متناول لهما جميعاً، كما بينه الرسول صلى الله عيله وسلم...


الصفحة التالية
Icon