وقال ابن الأنباري : أول ما يلقي الأرض من الذي يخر قبل أن يصوب جبهته ذقنه، فلذلك قال :( لِلأَذْقَانِ )، ويجوز أن يكون المعني يخرون للوجوه، فاكتفي بالذقن من الوجه. كما يكتفي بالبعض من الكل. وبالنوع من الجنس.
قلت : والذي يخر على الذقن لا يسجد على الذقن، فليس الذقن من أعضاء السجود، بل أعضاء السجود سبعة. كما قال النبي ﷺ :( أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء : الجبهة - وأشار بيده إلى الأنف –واليدين، والركبتين، والقدمين )، ولو سجد على ذقنه ارتفعت جبهته، والجمع بينهما متعذر، أو متعسر؛ لأن الأنف بينهما وهو ناتئ، يمنع إلصاقهما معاً بالأرض في حال واحدة، فالساجد يخر على ذقنه، ويسجد على جبهته. فهذا خرور السجود. ثم قال :( وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ ) ( الإسراء : ١٠٩ )، فهذا خرور البكاء، قد يكون معه سجود، وقد لا يكون... فالأول كقوله :( إِذَا تُتْلَي عليهمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) ( مريم : ٥٨ )، فهذا خرور وسجود وبكاء.... والثاني : كقوله :( وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ )، فقد يبكي الباكي من خشية الله مع خضوعه بخروره، وإن لم يصل إلى حد السجود وهذا عبادة ـ أيضاً ـ لما فيه من الخرور للَّه، والبكاء له. وكلاهما عبادة للَّه، فإن بكاء الباكي للَّه، كالذي يبكي من خشية الله، من أفضل العبادات...