- والمقصود هنا أن الأمر بالسجود تابع لقراءة القرآن كله، كما في الآية. وفي قوله تعالى :( فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عليهمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ) ( الانشقاق ٢٠، ٢١ )، فهذا يتناول جميع القرآن، وأنه من قرئ عليه القرآن فهو مأمور بالسجود، والمصلي قد قرئ عليه القرآن، وذلك سبب للأمر بالسجود، فلهذا يسمع القرآن ويسجد الإمام والمنفرد يسمع قراءة نفسه وهو يقرأ على نفسه القرآن.... وقد يقال : لا يصلون، لكن قوله :( خَرُّوا سُجَّدًا ) ( السجدة : ١٥ )، صريح في السجود المعروف؛ لاقترانه بلفظ الخرور. وأما هذه الآية ففيها نزاع، قال أبو الفرج :( وَإِذَا قُرِئَ عليهمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ )، فيه قولان : أحدهما : لا يصلون، قاله عطاء، وابن السائب... والثاني : لا يخضعون له، ولا يستكينون له، قاله ابن جرير، واختاره القاضي أبو يعلى.... قال : واحتج بها قوم على وجوب سجود التلاوة، وليس فيها دلالة على ذلك ؛ وإنما المعني لا يخشعون، ألا ترى أنه أضاف السجود إلى جميع القرآن، والسجود يختص بمواضع منه ؟ قلت : القول الأول هو الذي يذكره كثير من المفسرين، لا يذكرون غيره ـ كالثعلبي، والبغوي ـ وحكوه عن مقاتل، والكلبي وهو المنقول عن مفسري السلف، وعليه عامة العلماء... وأما القول الثاني : فما علمت أحداً نقله عن أحد من السلف. والذين قالوه إنما قالوه لما رأوا أنه لا يجب على كل من سمع شيئاً من القرآن أن يسجد، فأرادوا أن يفسروا الآية بمعني يجب في كل حال. فقالوا : يخضعون، ويستكينون. فإن هذا يؤمر به كل من قرئ عليه القرآن... ولفظ السجود يراد به مطلق الخضوع، والاستكانة...


الصفحة التالية
Icon