ثم ذكر تعالى أن له عبادا مستديمين لعبادته، ملازمين لخدمته وهم الملائكة، فلتعلموا أن اللّه لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلة، ولا ليتعزز بها من ذلة، وإنما يريد نفع أنفسكم، وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما عملتم، فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ) من الملائكة المقربين، وحملة العرش والكروبيين... ( لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ) بل يذعنون لها وينقادون لأوامر ربهم، ( وَيُسَبِّحُونَهُ ) الليل والنهار لا يفترون..( وَلَهُ ) وحده لا شريك له ( يَسْجُدُونَ ) فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام، وليداوموا على عبادة الملك العلام....
٢ *( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (الرعد ١٥ )
(قال ابن كثير : يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء، ودان له كل شيء. ولهذا يسجُد له كلّ شيء طوعا من المؤمنين، وكرها من المشركين، ( وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ ) أي: البُكر (١) والآصال، وهو جمع أصيل وهو آخر النهار، كما قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ) ( النحل: ٤٨).
(وقال القرطبي : قوله تعالى: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) قال الحسن وقتادة وغيرهما: المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجر كرها بالسيف. وعن قتادة أيضا: يسجد الكافر كارها حين لا ينفعه الإيمان.
وقال الزجاج: سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة... وقال ابن زيد: " طوعا " من دخل في الإسلام رغبة، و " كرها " من دخل فيه رهبة بالسيف... وقيل: " طوعا " من طالت مدة إسلامه فألف السجود، و " كرها " من يكره نفسه لله تعالى، فالآية في المؤمنين، وعلى هذا يكون معنى " والأرض " وبعض من في الأرض.