وسيأتي هذا المعنى مجودا عند قوله تعالى: " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون "( المؤمنون: ١ - ٢ )... فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نقاق، قال سهل بن عبد الله : لا يكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده لقول الله تبارك وتعالى " تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم " (٢) (الزمر: ٢٣ ).
قلت: هذا هو الخشوع المحمود لان الخوف إذا سكن القلب أوجب خشوع الظاهر فلا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك وأما المذموم فتكلفه والتباكي ومطأطأة الرأس كما يفعله الجهال ليروا بعين البر والاجلال وذلك خدع من الشيطان وتسويل من نفس الانسان... روى الحسن أن رجلا تنفس عند عمر بن الخطاب كأنه يتحازن فلكزه عمر أو قال لكمه... وكان عمر رضي الله عنه إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وكان ناسكا صدقا وخاشعا حقا... وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الخاشعون هم المؤمنون حقا....// وقال عند تفسير قوله تعالى :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) ( المومنون ١-٢ ) والخشوع محله القلب، فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لخشوعه، إذ هو ملكها...
وكان الرجل من العلماء إذا أقام الصلاة وقام إليها يهاب الرحمن أن يمد بصره إلى شئ وأن يحدث نفسه بشئ من الدنيا... وقال عطاء: هو ألا يعبث بشئ من جسده في الصلاة... وأبصر النبي ﷺ رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه... وقال أبو ذر، ال النبي ﷺ : إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يحركن الحصى ؛ الترمذي... وقال الشاعر:
ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع لان بها الاراب لله تخضع
وأول فرض من شريعة ديننا وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع
فمن قام للتكبير لاقته رحمة وكان كعبد باب مولاه يقرع


الصفحة التالية
Icon