قال القرطبي :... فيه أربع مسائل: الاولى - قوله تعالى: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم) يريد إدريس وحده...(وممن حملنا مع نوح) يريد إبراهيم وحده..(ومن ذرية إبراهيم) يريد إسمعيل وإسحق ويعقوب... (و) من ذرية ( إسرائيل) موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى... فكان لادريس ونوح شرف القرب من آدم، ولابراهيم شرف القرب من نوج، ولإسمعيل وإسحق ويعقوب شرف القرب من إبراهيم...(وممن هدينا) أي إلى الاسلام: (واجتبينا) بالايمان...(إذا تتلى عليهم آيات الرحمن)... وقرأ شبل بن عباد المكي " يتلى " بالتذكير لان التأنيث غير حقيقي مع وجود الفاصل...(خروا سجدا وبكيا) وصفهم بالخشوع لله والبكاء... يقال بكى يبكي بكاء وبكى وبكيا، إلا أن الخليل قال: إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن، أي ليس معه صوت كما قال الشاعر:
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
" وسجدا " نصب على الحال " وبكيا " عطف عليه... الثانية - في هذه الآية دلالة على أن لآيات الرحمن تأثيرا في القلوب.. قال الحسن: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) الصلاة... وقال الاصم: المراد بآيات الرحمن الكتب المتضمنة لتوحيده وحججه، وأنهم كانوا يسجدون عند تلاوتها، ويبكون عند ذكرها... والمروى عن ابن عباس أن المراد به القرآن خاصة، وأنهم كانوا يسجدون ويبكون عند تلاوته، قال الكيا: وفي هذه الآية دلالة من قوله على أن القرآن هو الذي كان يتلى على جميع الانبياء، ولو كان كذلك لما كان الرسول عليه الصلاة والسلام مختصا بإنزاله إليه... الثالثة - احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على وجوب سجود القرآن على المستمع والقارئ.
قال الكيا: وهذا بعيد فإن هذا الوصف شامل لكل آيات الله تعالى... وضم السجود إلى البكاء، وأبان به عن طريقة الانبياء عليهم الصلاة والسلام في تعظيمهم لله تعالى وآياته، وليس فيه دلالة على وجوب ذلك عند آية مخصوصة.