قال ابن كثير :... يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به، كما قال: ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ) ( النحل: ٤٨ ). وقال هاهنا :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) أي: من الملائكة في أقطار السموات، والحيوانات في جميع الجهات، من الإنس والجن والدواب والطير، ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) ( الإسراء: ٤٤ )... وقوله: ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ ) : إنما ذكر هذه على التنصيص؛ لأنها قد عُبدت من دون الله، فبين أنها تسجد لخالقها، وأنها مربوبة مسخرة، قال :( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) ( فصلت: ٣٧ )... وفي الصحيحين عن أبي ذر، رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :"أتدري أين تذهب هذه الشمس؟". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: " فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت"... وفي المسند وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، في حديث الكسوف: " إن الشمس والقمر خَلْقان من خَلْق الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله عز وجل إذا تَجَلى لشيء من خلقه خشع له"... وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر، إلا يقع لله ساجدًا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه... وأما الجبال والشجر فسجودهما بفَيء ظلالهما عن اليمين والشمائل...


الصفحة التالية
Icon