قال ابن كثير : قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ) أي: لا نعرف الرحمن... وكانوا ينكرون أن يُسَمّى الله باسمه الرحمن، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي ﷺ للكاتب: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم؛ ولهذا أنزل الله: ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ( الإسراء : ١١٠) أي: هو الله وهو الرحمن. وقال في هذه الآية :(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ) أي: لا نعرفه ولا نُقر به... ( أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ) أي:

لمجرد قولك ؟ ( وَزَادَهُمْ نُفُورًا )، أما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم، ويُفْرِدُونه بالإلهية، ويسجدون له وقد اتفق العلماء -رحمهم الله -على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجودُ عندها لقارئها ومستمعها.
(وقال القرطبي : قوله :(وزادهم نفورا) أي زادهم قول القائل لهم اسجدوا للرحمن نفورا عن الدين... وكان سفيان الثوري يقول في هذه الآية: إلهي زادني لك خضوعا ما زاد عداك نفورا...
(وقال ابن عاشور : والنفور : الفرار من الشيء. وأطلق هنا على لازمه وهو البعد. وإسناد زيادة النفور إلى القول لأنه سبب تلك الزيادة فهم كانوا أصحاب نفور من السجود لله فلما أمروا بالسجود للرحمان زادوا بُعداً من الإيمان، وهذا كقوله في سورة نوح :( فلم يَزدْهم دُعائي إلا فراراً )...


الصفحة التالية
Icon