وقال السعدي : لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس، وكان معروفا بذلك مقصودا، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما اللّه فتنة لداود، وموعظة لخلل ارتكبه، فتاب اللّه عليه، وغفر له، وقيض له هذه القضية، فقال لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم: ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ) فإنه نبأ عجيب ( إِذْ تَسَوَّرُوا ) على داود ( الْمِحْرَابَ ) أي: محل عبادته من غير إذن ولا استئذان، ولم يدخلوا عليه مع باب، فلذلك لما دخلوا عليه بهذه الصورة، فزع منهم وخاف، فقالوا له: نحن ( خَصْمَانِ ) فلا تخف ( بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ) بالظلم ( فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ) أي: بالعدل، ولا تمل مع أحدنا ( وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ )... والمقصود من هذا، أن الخصمين قد عرف أن قصدهما الحق الواضح الصرف، وإذا كان ذلك، فسيقصان عليه نبأهما بالحق، فلم يشمئز نبي اللّه داود من وعظهما له، ولم يؤنبهما... فقال أحدهما: ( إِنَّ هَذَا أَخِي ) نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره. ( لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ) أي: زوجة، وذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما آتاه اللّه...( وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ) فطمع فيها (فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا ) أي: دعها لي، وخلها في كفالتي. ( وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) أي: غلبني في القول، فلم يزل بي حتى أدركها أو كاد...


الصفحة التالية
Icon