ثقة النبي - ﷺ - في وعد ربِّه:
لا يستطيع رئيس دولة مهما كان تقدمها أن يصرف حرَّاسَه عنه ويعلن أنه لن يموت إلا على فراشه.
والسنوات القليلة الماضية شهدت مصرع اثنين من رؤساء الدول وهما يسيران في حراسة غير عادية.
بل إن أحدهما قتل وهو يستعرض قواته في البر والجو وحراسه يحيطون به من بين يديه ومن خلفه. فكيف أعلن النبي - ﷺ - استغنائه عن الحراس ثقة منه في وعد الله سبحانه؟
كان النبي يحرص وهو في بيته بالمدينة حتى نزل عليه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)
عند ذلك أخرج النبي - ﷺ - رأسه من القبة وجمع حراسه، وأمرهم أن ينصرفوا لأن الله تولى حراسته.
روى الترمذى والحاكم وابن أبي حاتم عن السيدة عائشة - رضى الله عنها - كان النبي - ﷺ - يحرس ليلا حتى نزل عليه قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)
فأخرج النبي - ﷺ - رأسه من القبة فقال لهم
أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله.
لم ينتظر النبي - ﷺ - حتى الصباح بل سرح حراسه بمجرد أن انفصل الوحي عنه.
كيف يبيت ليلة في حراسة البشر وقد تولى الله حراسته؟
لقد عاشت هذه الثقة في قلبه حتى لقي ربه على فراشة.
وروى الإمام أحمد في مسنده، أن النبي - ﷺ -
قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ فَرَأَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ قَالَ فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ فَلَمَّا كَانَ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ".