ثالثاً: علم الجراحة:
وإذا أمكن لبعض العلماء أن يقولوا: ربما نكتشف أجهزة أدق يمكنها أن تسجل التفكير والتصور، فإن التقدم الذي حدث في علم جراحة المخ، ينفى هذا القول. فقد أجريت عمليات جراحية لبعض المرضى في المخ، حيث استأصل فيها أجزاء هامة من أمخاخ المرضى، وقاموا وذاكرتهم كاملة، ويفكرون تفكيراً منتظماً.
فلو كانت خلايا المخ هى مخزون الذكريات لوجب أن تنقص الذاكرة بمقدار ما نقص من المادة المخية، لا أن تقوى الذاكرة وتتحسن.
ولو كان الفكر تفاعلات كيميائية لوجب أن يضعف بإنقاص المادة المتفاعلة لا أن يقوى التفكير.
وعلى هذا فالذاكرة والفكر والمخيلة مادة، وبناء على ذلك فإن وحدة الشعور الجامعة بين الماضي والحاضر. مع أن الجسم يتغير تغيراً كاملا كل عدة سنوات، يؤكد وجود الروح.
فالتفكير سر من أسرار الروح.
وناهيك بأن الذاكرة لو كانت مادة كما يدعي الماديون لاحتاج الإنسان إلى مخ حجمه يساوي حجم الكرة الأرضية كلها، لكى يتسع لمثل ما في مخ الرجل الذي بلغ الستين، وذلك لأن العين وحدها تصور، وتسجل، وتحتفظ كل ساعة بنصف مليون صورة، فكم صورة تحتفظ بها في الشهر؟ وكم صورة تحتفظ بها في العام؟ وهكذا.
والذاكرة تحتفظ بالأصوات. وكثيرا من الذين يعملون في الإذاعات نعرفهم عن طريق تمييز الذاكرة بين أصواتهم.
وتحتفظ الذاكرة بالروائح.
وقد يتذكر بعض الناس حفل عرسه. بمجرد أن يشم رائحة كان قد استعملها ليلة العرس، واللمس. تحتفظ به الذاكرة. والذوق كذلك.
فلو أردنا صنع عقل إلكترونى. يتسع لمثل ما في الذاكرة، لاحتجنا إلى عقل حجمه يساوي حجم الأرض كلها.


الصفحة التالية
Icon