وهؤلاء لا يكتفون بما فرض الله عليهم من عبادات، بل يسارعون إلى النوافل والسنن، يتقربون بها إلى الله زلفى، كما يحرمون على أنفسهم بعض الحلال، مخافة الوقوع فيما فيه شبهة، عملا بقول الرسول الكريم - ﷺ - " فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ " رواه الجماعة.
وقد ذكر ابن الجوزية في كتابه القيم (صيد الخاطر. ٣٦) كلمات عن شقاء أصحاب الهمم الكبيرة بما يسعد به العامة من الناس صور همته في طلب العلم، ومحاولة استقصائه، فقال: إني رجل حبب إلى العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يحبب إليَّ فن واحد منه، بل فنونه كلها.
ثم لا تقتصر همتى في فن على بعضه، بل أروم استقصاءه.. والزمن لا يسع، والعمر أضيق، والشوق يقوى، والعجز يظهر، فتبقى بعض المطلوب حسرات..
ثم إن العلم دلنى على معرفة المعبود وحثنى على خدمته
ثم يصور الصراع النفسي الذي يعيشه بين طلب العلم وبين الرغبة في التفرغ للعبادة فيقول:
وصار يملكني أمر كالوجد كلما ذكرته، فعادت خلوتى في خدمتى له أحلى عندى من كل حلاوة..
فكلما ملت إلى الانقطاع عن الشواغل إلى الخلوة أي الخلوة للعبادة صاح بى العلم: أين تمضى؟.. أتعرض عنى وأنا سبب معرفتك به سبحانه؟
فقلت للعلم: إنما كنت دليلا. وبعد الوصول استغنيت عن الدليل.
قال.. هيهات كلما زدت من العلم زادت معرفتك بمحبوبك، وفهمت كيف يكون القرب منه