وحتى اليوم نشاهد ملوك العرب وعظمائها يتركون القصور الشامخات ليعيشوا بعض أيامهم في رحبة الصحراء وخيامها.
والناس يفرون من بيوتهم في كل بلد إلى شواطئ البحار ليعيشوا بعيدا عن العمران والحضارة - أن القرآن يلمس نفوس الناس في تصويره للنعيم.
وذكرت سورة المطففين فارقاً جديدا بين النعيمين.
ذكرت أن في الجنة شرابا معبأ ومختوم عليه هذا الشراب رحيق خالص وختامه الذي ختم به مسك، هذا الشراب ممزوج من عين اسمها تسنيم.
ويمزج لهم على قدر درجتهم في الجنة ومعنى تسنيم أي عالية ومنه سنام الجمل.
أما المقربون فيشربون من تسنيم شرابا خالصا.
قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) فللأبرار مزيج وللمقربين شراب خالص.
على أن جمال الوصف القرآني لا ينسينا أنه ليس بين الآخرة والدنيا إلا الأسماء فقط لذلك قال القرآن في سورة محمد عند حديثه عن الجنة: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ)
وهذه الأنواع لا نعرف حقيقتها في الدنيا:
فنحن لا نعرف ماء لا يقبل الفساد ولا نعرف لبناً لا يتغير طعمه، ولا نعرف خمراً لا يصدعون عنها ولا يصدعون بها، ولكن القرآن حاول أن يوصلنا بما نعلم إلى ما لا نعلم.
وفى الحديث القدسى: "أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"


الصفحة التالية
Icon