(خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)
فهو يستطيع أن يخاصم، وأن يطالب بحقه، وهو يبين حجته، ويجعل من نعمة البيان سلاحا ينصر به الحق أو يعتدى به على الآخرين، ظلت حياة الناس (كلمة) في كل عصر، فالكلمة كما يقول ابن القيم الجوزية: بيان للفكرة وإرشاد للحجة، وتبصرة وعبرة.
(الكلمة) فكرة في آية، ودلالة على رشد، وإرشاد من غى و (الكلمة) أمر بمصلحة، ونهى عن مفسدة وهداية إلى نور. إخراج من ظلمة، وزجر عن هوى، وجلاء لبصيرة، وإيضاح لبرهان، وتحقيق لحق، وإبطال لباطل.
هذه بطولة الكلم المؤمن والبيان الهادي.
أو قل: هذه صورة مجتمع الجنة كما صورها القرآن: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا)
ونفى سماع اللغو أعم من نفى قوله، فقد يتعفف الإنسان عن النطق باللغو ولكن يقع في مسامعه.
نفى سمعه يفيد نظافة المجتمع كله من اللغو.
والقرآن عندما يصف مجتمع الجنة فإنه يرسم المنهج لمجتمع المؤمنين في الدنيا. فمن عزم على الهجرة حاول أن يتخلق بأخلاق المهجر الذي سيأوي إليه. وهذه لمحة قرآنية في مجال التربية بعيدة عن الأوامر والنواهي، لثقلها على النفس:
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا)
(فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً)
(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)