قال تعالى: (لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)
ومع هذه الأوصاف الشديدة للطعام فإنهم يأكلون فيملؤن بطونهم مما يلجئهم إلى شرب الماء، يلتمسون فيه إطفاء النار، فإذا هو حميم.
ومع ذلك فهم يشربون شرب الهيم.
والهيم مرض يصيب الجمال فتشرب ولا تشبع وتظل تشرب حتى تنفجر وتموت.
قال تعالى: (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ)
والهيم: أيضاً الأرض ذات الرمال لا تحتفظ بالماء ولو سكب فوقها. ومع كل هذا البلاء فالملآئكة تسخر منهم من تضاعف آلامهم. (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
فما قيمة كل متاع الدنيا بجوار هذا العذاب؟
لا خير في لذة يعقبها نار.
حقيقة الجزاء بين الدين والفلسفة
اتفقت الأديان جميعا على عقيدة الجزاء. وإن اختلفت في تفصيل هذا الإيمان. لأن الترغيب بالجنة، والترهيب من العذاب هو الضابط الصحيح لسلوك كل المتدينين.
ومن قبل الأديان ومن بعدها، آمن الفلاسفة بعقيدة الجزاء وحتميته.
لأن الفلاسفة يؤمنون بحتمية العدل المطلق، ولم يجدوه في الدنيا، فآمنوا بمرحلة يتحقق فيها هذا اللون من الكمال. ولأنهم آمنوا بالنفس واعتبرها أفلاطون جوهراً بسيطاً غير مركب، فهى لا تقبل التجزئة، ولا الفساد.
ومن هنا آمن الفلاسفة القدامى بخلود النفس.
وامتد الإيمان بخلود النفس إلى الفلاسفة المحدثين عندما آمن (كانت) بخلود النفس، بناء على مذهبه في فلسفة الأخلاق، فالواجب عنده فطرة.
والله الذي غرس هذا الواجب في الفطرة البشرية، لا يسوى بين من أدى تكاليف هذا الواجب ومن قصَّر فيه


الصفحة التالية
Icon