ص : ١٠٥
وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ إن جرينا على ما روي عن ابن عباس يكون المراد بالحرمات :
الشهر الحرام، والبلد الحرام، وحرمة الإحرام، والمعنى : أنهم لما أضاعوا هذه الحرمات في سنة ست، فقد عوّضكم اللّه عنها في سنة سبع.
وإن جرينا على ما روي عن الحسن فيكون المعنى : إن أقدموا على مقاتلتكم ولم يراعوا حرمة الأشهر الحرم فقاتلوهم. فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ أي : فمن اعتدى عليكم فقابلوه باعتداء مثله وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بالمعونة والنصر.
قال اللّه تعالى : وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥).
لما كان الكلام في القتال : وهو كما يحتاج إلى الأنفس يحتاج إلى الأموال - وربما كان من عنده مال لا يقدر على النزال، وقد يكون الشجاع لا مال له - أمر اللّه الأغنياء أن ينفقوا في سبيل اللّه على الفقراء الذين لا يجدون ما يحملون أنفسهم عليه في القتال.
ويروى أنه لما نزل قوله تعالى : الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ قال رجل من الحاضرين : واللّه يا رسول اللّه ما لنا زاد، وليس أحد يطعمنا. فأمر عليه الصلاة والسلام أن ينفقوا في سبيل اللّه، وأن يتصدّقوا، ولا يكفوا أيديهم عن الصدقة ولو بشق تمرة تحمل في سبيل اللّه. فنزلت الآية على وفق ما قال رسول اللّه.
والإنفاق : هو صرف المال في وجوه المصالح، ولذلك لا يقال للمضيّع إنه منفق، وإذا قيّد بكونه في سبيل اللّه فالمراد به في طريق الدين، لأن السبيل هي الطريق، وسبيل اللّه دينه.
فاللفظ يتناول كل القربات. من جهاد وحج وغير ذلك، إلا أنّ الأقرب حمل الآية على الانفاق في الجهاد، لأن الكلام فيه.
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ قيل : الباء في قوله : بِأَيْدِيكُمْ زائدة، ويكون المعنى :
لا تلقوا أيديكم، وهو كقول القائل : أخذت القلم، وأخذت بالقلم، بمعنى واحد، وقيل : المراد بالأيدي الأنفس، والمعنى : لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، وقد جاء استعمال اليد في النفس في قوله : ما قَدَّمَتْ يَداهُ [الكهف : ٥٧] فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى : ٣٠] وقال آخرون : إنّ في الكلام حذفا، والتقدير : ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، والتهلكة : الهلاك، يقال : هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة.