ص : ١٨
المعنى : مالك الأمر في يوم الدين.
معنى الآيات : الثناء والشكر للّه - دون ما يعبد من دونه - بما أنعم على عباده من الخلق والرزق وسلامة الجوارح، وهدايتهم إلى سعادة الدنيا والآخرة.
ويجوز أن يراد من الرب أيّ معنى من معانيه الثلاثة المتقدمة. فهو السيد الذي لا يبلغ سؤدده أحد، والمصلح أمر خلقه بما أودع في هذا العالم من نظام يرجع كلّه بالمصلحة على عالم الحيوان والنبات. فمن شمس لولاها ما وجدت حياة ولا موت، ومن مياه بها حياة الحيوان والنبات، ومن أعضاء للغداء الذي به قوام الفرد، وأخرى للتناسل الذي به قوام النوع، وأخرى للسمع والأبصار، ومعنى ملك يوم الدين (٤) أن للّه الملك خالصا يوم الدين دون هؤلاء الملوك الجبابرة الذين كانوا ينازعونه العزة والجبروت في الدنيا، كما قال تعالى : يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) [غافر : ١٦].
وأما تأويل قراءة ملك يوم الدين (٤) فكما قال ابن عباس : لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النبأ : ٣٨] وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه : ١٠٨].
وقد يخطر سؤال عند قراءة الفاتحة، وهو : أحمد اللّه نفسه؟ وأثنى عليها؟
وعلّمنا ذلك؟ أم ذلك من قبل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أو جبريل؟ فإن كان الأول، فما معنى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) واللّه معبود لا عابد؟ فإن كان الثاني فقد بطل أن تكون الفاتحة كلام اللّه، والجواب : أن الفاتحة من كلام اللّه، وهي على معنى قولوا :
الْحَمْدُ لِلَّهِ... وقولوا : إِيَّاكَ نَعْبُدُ.... فإن قيل : وأين قوله قولوا؟ قيل :
إن العرب من شأنها إذا عرف السامع مكان الكلمة حذفها. واكتفت بدلالة ما ظهر من منطقها على ما حذف، كقوله :
وأعلم أنني سأكون رمسا إذا سار النواعج «١» لا يسير
فقال السائلون : لمن حفرتم؟ فقال المخبرون لهم : وزير
أي الميت وزير، فأسقط الميت إذ قد أتى الكلام بما يدل عليه. وإنما قال :
الحمد للّه دون أحمد اللّه أو حمدا للّه، لأنه لو قال ذلك لدل على حمد التالي للّه، مع أن الغرض أن جميع المحامد والشكر الكامل للّه، وهذا هو ما يؤديه الحمد للّه.
وقال صاحب «الكشاف» «٢» : عدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء، مع
(٢) محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، ولد بزمخشر توفي سنة (٥٣٨ ه) انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (٢٠/ ١١٥) ترجمة (٩١).